وكانوا يعلمون أنه رسول الله، ويعلمون أنهم إن باهلوه نزلت البُهلة عليهم وعلى أقاربهم، فاجتمع خوفهم على أنفسهم وعلى أقاربهم فكان ذلك أبلغ في امتناعهم، وإلا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقى أقاربه في نعمة ومال، فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين (١).
خلاصة:
إن الله سبحانه وتعالى جعل في المباهلة حكمة، وهي إظهار الثقة الكاملة بقوة يقين المسلم فيما يعتقده أمام افتراءت أهل الكتاب كالنصارى في المسيح - عليه السلام -، من قولهم فيه: إنَّهُ اللهُ، أو إنه لغير رشدة، وما رموا به مريم من الإفك والبهتان وغير ذلك، وفي امتناعهم من المباهلة دليل على علمهم بصدقه، وإلا فأي شيء أسهل من أن يقولوا: باهلناك؟ وهو دليل على صدقه - ﷺ -، وصدق ما جاء به، ومثل هذا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (٢).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (٣).
وفي امتناعهم من تمني الموت دليل على علمهم بصدقه - ﷺ -، وإلا فأي شيء أسهل من أن يقولوا: تمنينا الموت؟ ولكنها الحقيقة التي لا يستطيع جحدها أحد، ثم إن الرسول - ﷺ - عندما باهلهم لم يأتهم للمباهلة بأجانب عنه، فلو أتى لهم بأجانب لأتوا بأجانب، لكنه باهلهم على أن يأتون بأقاربهم، والأهل أحب على النفس، ولهذا تراجعوا عن مباهلته؛ كونها أبلغ وأنكى بهم؛ ولمعرفتهم أن رسول الله - ﷺ - على حق فيما دعاهم إليه.
_________
(١) انظر: منهاج السنة النبوية (٧/ ١٢٥ - ١٢٦) المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، الناشر: مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى، ١٤٠٦ هـ، تحقيق: د. محمد رشاد سالم.
(٢) سورة البقرة الآية: (٩٤ - ٩٥).
(٣) سورة الجمعة الآية: (٦٧).