وبقوله تعالى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ (١). وكان هذا الهدى والنور الذي تحتوي عليه التوراة والإنجيل للذين يخافون ربهم ويخشونه، قال تعالى: ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ (٢).
وكان من أهم ما ورد التحذير منه في آيات الخطاب القرآني هو التكذيب والكفر بنبوة محمد - ﷺ -؛ كونهم يعلمون أنه رسول حق، وأن الله أنزل معه القرآن مصدقاً لكتبهم السابقة، ومهيمناً عليها، وناسخاً لما فيها، لقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (٣).
وأخبر الله أنهم كانوا يعرفون نبوة محمد - ﷺ - كما يعرفون أبناءهم، وكانوا يستفتحون به قبل المعارك على إخوانهم العرب، كما أخبر الله عن ذلك بقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (٤).
وقد كان اليهود يستفتحون بهجرة الرسول - ﷺ - على الذين كفروا من العرب قبل بعثته - ﷺ -، وكانوا يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويتوعدونهم بأنهم سيقتلونهم قتل عاد وإرم.
الفرع الثاني: خلاصة آيات الخطاب المتعلقة بالكتب السماوية:
إن كل الأدلة السابقة في هذا المبحث تدل دلالة واضحة على ما يلي:
١ - وجوب الإيمان بالقرآن الكريم والعمل بما فيه، ومعنى الإيمان بالقرآن هو: التصديق به، والعمل بما فيه، والاعتقاد أنه الحق الذي أنزله الله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - ﷺ - بواسطة جبريل - عليه السلام - أمين الملائكة، وأنه الناسخ للكتب السماوية السابقة، والمهيمن عليها، والمصدق لما فيها، وأنه الكتاب الوحيد الذي لم تصله يد التحريف.
٢ - تحذير أهل الكتاب من الكفر بالقرآن الكريم وبآيات الله، ومن التمادي والتكذيب في ذلك.
_________
(١) سورة المائدة الآية: (٤٦)
(٢) سورة الأعراف الآية: (١٥٤)
(٣) سورة البقرة الآية: (١٠١).
(٤) سورة البقرة الآية: (٨٩).


الصفحة التالية
Icon