وهكذا يتبين أن القرآن الكريم قد كتب وحفظ في حال نزوله مباشرة، ثم جمع بعد ذلك بفترة وجيزة، فتوفرت فيه عنصرا: الأصالة الكتابة والحفظ، بعكس الكتب الأخرى التي لا يتوفر فيها شيء من ذلك.
وهذه شهادة أخرى لعبد الأحد داود (١) الذي هداه الله للإسلام عندما قام بمقارنة التضاد العظيم في مسألة قتل السيد المسيح الموجودة في العهدين القديم والجديد بإثبات القتل والصلب، وفي المقابل تعارض ذلك النصوص القرآنية بأنه لم يصلب ولم يقتل (٢)
، ولكن الله رفعه إليه، ثم قال: " ولقد كانت نتيجة تتبعاتي وتحقيقي أن اقتنعت وأيقنت أن قصة قتل المسيح - عليه السلام - وصلبه، ثم قيامه من بين الأموات قصة خرافية، وأن الأناجيل الأربعة مع كونها ليست تأليف المسيح ذاته، ولم توجد في زمانه، بل وجدت بعد وفاة الحواريين بزمن طويل، وأنها وصلت إلينا بحالة محرفة، وقد لعبت بها الأقلام، وبعد هذا كله اضطررت إلى الإيمان والاعتراف من كل عقلي وضميري بأن سيدنا محمداً - ﷺ - نبي حق، ولم أستطع التخلف عن ذلك" (٣).
وقال أيضاً المستشرق بودلي (٤): "بين أيدينا كتاب فريد في أصالته وفي سلامته، لم يُشكّ في صحته كما أُنزل، وهذا الكتاب هو القرآن" (٥).
_________
(١) اسمه قبل إسلامه: القسيس دافيد بنجامين كلدان، وهو عالم لاهوتي متبحر قسيس الطائفة الكلدانيين الموحدة سابقاً، التابعة للكنسية الكاثوليكية الرومانية، وكان يحمل شهادة الليسانس في علم اللاهوت. ولد في عام ١٨٦٧ م في أورميا، وبعد تلقيه العلم أصبح أحد موظفي التعليم في إرسالية رئيس أساقفة كانتربوي المبعوثة إلى النصارى الأشوريين، وفي عام ١٨٩٢ أرسله الكاردينال فوهان إلى روما حيث تلقى تدريباً منتظماً في الدراسات الفلسفية واللاهوتية في كلية بروغاندا فيد وفي عام ١٨٩٥ م تم ترسيمه كاهناً، وبعد حياة حافلة بالعمل والتعليم ونشر التعاليم المسيحية وفي عام ١٩٠٠ م عزل الكاهن نفسه عن الدنيا في منزلة وأكثر من التأمل والصلاة وأعاد قراءة الكتاب المقدس مرة بعد مرة، شرح الله صدره للإسلام بعد ذلك، انظر: كتاب الإنجيل والصليب (ص: ٣٩) المؤلف: عبد الأحد داوود، وكتاب محمد في الكتاب المقدس (ص: ٢٥).
(٢) قوله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ سورة النساء الآية: (١٥٧ - ١٥٨)..
(٣) انظر: كتاب الإنجيل والصليب (ص: ٢٨٢٩) مرجع سابق.
(٤) الجنرال بودلي كاتب ومستشرق انجليزي، من مؤلفاته حياة محمد.
(٥) انظر: ربحت محمداً ولم أخسر المسيح (ص: ١٧) مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon