ولم يكتف أهل الكتاب بشركهم وكفرهم بالله كما تبين من مواقفهم السابقة، بل حسدوا المؤمنين على توحيدهم لربهم، فيتمنون أن يكون المسلمين كفاراً مثلهم، قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (١)، ولم يكتفوا بذلك، بل يكرهون أن يصيب المؤمنين أي خير، قال تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (٢).
وقد عقد في عصرنا الحديث مؤتمراً تنصيرياً في القدس بفلسطين المحتلة سنة (١٣٤٦ هـ ١٩٢٧ م)، وحضره مندوبون من أربعين دولة من الدول الغربية الصليبية، حيث تحدثوا عن أهم أهدافهم من الحملات التنصيرية في بلاد المسلمين، ومنها أن يقوموا بإخراج المسلمين من دينهم فقام متحدثهم فقال: أتظنون أن غرض التنصير وسياسته إزاء الإسلام هو إخراج المسلمين من دينهم ليكونوا نصارى؟ إن كنتم تظنون هذا فقد جهلتم التنصير ومراميه، لقد برهن التاريخ من أبعد أزمنته على أن المسلم لا يمكن أن يكون نصرانياً مطلقاً، والتجارب دلتنا ودلت رجال السياسة النصرانية على استحالة ذلك، ولكن الغاية التي نرمي إليها هي إخراج المسلم من الإسلام فقط، ليكون مضطرباً في دينه، وعندها لا تكون له عقيدة يدين بها ويسترشد بهديها، وعندها يكون المسلم ليس له من الإسلام إلا اسم أحمد أو مصطفى، أما الهداية فينبغي البحث عنها في مكان آخر" (٣).
وهذا هو الذي يحرص عليه (المبشرون) من النصارى اليوم، وكذلك المستشرقون والصهيونية العالمية في جميع بلاد المسلمين، أن يترك المسلم دينه، وإن لم يرتبط بدين آخر أولم يتبعهم، ويعتبرون هذا انتصاراً لهم؛ لما يرون من خطر عندما يتمسك المسلم بدينه، بل إنهم سعوا وما زالوا بكل قوتهم، وينفقون الأموال الطائلة من أجل صد الناس عن سبيل الله وعن دعوة الحق، ويحرصون على إضلال الناس بدعوتهم إياهم إلى عقائدهم الفاسدة، وذلك بتزين الباطل وتحسينه، وذلك لن ينطلي إلا على بسطاء الناس، فأهل الكتاب يحاربون الإسلام والمسلمين؛ لا سيما طائفة البروتستانت المسمون (بالصهاينة المسيحيين)، فإنهم لا يألون جهداً في المكر بالإسلام والمسلمين، وقد تحيلوا حتى وصلوا إلى المناصب العليا في بريطانيا والولايات المتحدة وأغروا هؤلاء باحتلال بلاد المسلمين، كأفغانستان
_________
(١) سورة البقرة الآية: (١٠٩).
(٢) سورة البقرة الآية: (١٠٥).
(٣) انظر: ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي، (ص: ٣٨) المؤلف: الدكتور إبراهيم عكاشة علي، الناشر: إدارة الثقافة والنشر بجامعة محمد بن سعود، عام ١٤٠٧ هـ ١٩٨٧ م.


الصفحة التالية
Icon