وبعد موافقة الأطراف على ذلك التزم العرب بجميع ما نصت عليه اتفاقية الهدنة، والتزموا بكل العهود والمواثيق الدولية.
وفي حين تقيدت الدول العربية بأحكام قرار مجلس الأمن فقد استغلت إسرائيل مدة الهدنة أقصى استغلال ممكن، وكان موقفهم من اتفاقية الهدنة أنهم قاموا بنقضها كاملة، وقد تكلم عن هذا اللواء عبد الله التل قائد معركة القدس وأحد القيادات العسكرية البارزة الموجودة في أرض المعركة، وكان له اطلاع كبير على مخالفات اليهود في نقض اتفاقية الهدنة بالتعاون مع النصارى، بقوله: فظهر أن بوادر نقض تلك الهدنة باستغلال اليهود لكل دقيقة في الهدنة الأولى عام (١٩٤٨ م)، ودربوا خلالها الشباب والنساء والشيوخ، وحفروا الطرق والخنادق، واشتروا السلاح والذخائر من دول أوربا وأمريكا وبريطانيا (١).
وقد صرح دافيد بن جوريون (٢) أحد قياداتهم المشهورة خلال فترة الهدنة بتاريخ (١٠ يونيو ١٩٤٨ م) بقوله: " لقد اتسعت حدودنا، وتضاعفت قواتنا، ونحن نتولى الآن إدارة الخدمات العامة، وتصل جموع جديدة يومياً، وكل ما أخذناه سنحتفظ به، وخلال الهدنة سننظم الإدارة بهمة، ونعزز موقفنا في المدن والقرى، ونسرع في الاستعمار والهجرة، ونتطلع إلى جيش.
فتبين مما سبق أن اليهود كانوا قد رسموا الخطة الكاملة للمعركة مع العرب، ورتبوا أنفسهم مع النصارى لدعمهم بالوقوف معهم في اللحظات الحاسمة، ومن الشواهد على ذلك كلام مناحيم بيجن وابن جوريون شاهدٌ على ذلك، وانسحاب بريطانيا من فلسطين وتسليمها لليهود شاهدٌ آخر، ومن الشواهد كذلك اعتراف الرئيس الأمريكي ترومان (٣) بدولة إسرائيل بعد إعلان قيامها بساعات، وكل هذه الشواهد تؤكد التآمر اليهودي النصراني على احتلال الأراضي الإسلامية.
_________
(١) انظر: كتاب كارثة فلسطين (ص: ٢٢٥ - ٢٣٠) مرجع سابق.
(٢) دافيد بن غوريون: ولد في بولندا عام ١٨٨٦ م ١٩٧٣ م، زعيم صهيوني ورئيس وزراء ووزير الدفاع السابق في إسرائيل، هاجر إلى فلسطين عام ١٩٠٦ م، فرض نفسه رئيساً وزعيماً للحركة الصهيونية في الثلاثينات، أعلن بنفسه قيام الدولة الصهيونية بدون حدود للدولة، كان له الدور البارز في طرد العرب من أراضهم فلسطين، عين لمرات عديدة رئيساً لوزراء إسرائيل ووزيراً للدفاع، من أشهر أفكاره أن الجيش الإسرائيلي هو خير من يفسر تعاليم التوراة. انظر: موسوعة السياسة، (١/ ٥٧٣ - ٥٧٤) مرجع سابق.
(٣) انظر: اتفاقية رودس (ص: ١٦) مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon