وقوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (١).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (٢).
فتبين من خلال هذه الآيات أن هذا الخطاب من الله سبحانه وتعالى لأهل الكتاب كان مباشرة، وقد طلب منهم أن يلتزموا بما ورد في الخطاب من طاعته، وأن يجتنبوا ما نهى عنه.
الفرع الثاني: خطابهم بواسطة الرسول محمد - ﷺ -.
وذلك أن يأمره الله بمخاطبتهم كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (٣).
وهذا الخطاب في الآية يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم كما قال ابن كثير (٤) (٥).
ومن ذلك الخطاب ما كان بواسطة الرسول - ﷺ - أيضاً بأن يأمره الله أن يرد على مزاعمهم عندما قالوا أنهم أبناء الله وأحباؤه الذين لا يعذبهم الله، وذلك في قوله تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ
_________
(١) سورة المائدة الآية: (١٩).
(٢) سورة البقرة الآية: (٥٨ - ٥٩).
(٣) سورة آل عمران الآية: (٦٤).
(٤) ابن كثير: هو أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، عماد الدين، ولد سنة (٧٠٠ هـ)، مات سنة (٧٧٤ هـ). انظر: طبقات المفسرين (١/ ١١) المؤلف: شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى (١٤٠٣ هـ الموافق ١٩٨٣ م)، وطبقات المفسرين للأدنروي (ص: ٢٦٠) المؤلف: أحمد بن محمد الأدنروي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم السعودية (١٤١٧ هـ الموافق ١٩٩٧ م) الطبعة الأولى، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي.
(٥) انظر: تفسير القرآن العظيم، (١/ ٣٧٢) المؤلف: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء، الناشر: دار الفكر بيروت - ١٤٠١ هـ.