دون كل أحدٍ من خلقي، فإن النفع والضر بيدي، وخافوا عقابي في كتمانكم ما استُحفِظتم من كتابي" (١).
وقال ابن عاشور (٢): "إذ الحفيظ على الشيء الأمين حقّ الأمانة لا يخشى أحداً في القيام بوجه أمانته، ولكنَّه يخشى الِّذي استأمنه. فيجوز أن يكون الخطاب بقوله: (فلا تخشوا النِّاس) ليهود زمان نزول الآية، والفاء للتفريع عمِّا حكي عن فعل سلف الأنبياء والمؤمنين؛ ليكونوا قدوة لخلفهم من الفريقين، والجملة على هذا الوجه معترضة؛ ويجوز أن يكون الخطاب للنبيين والربِّانيَّين والأحبار فهيَ على تقدير القَول، أي قلنا لهم: فلا تخشوا النّاس. والتّفريع ناشئ عن مضمون قوله: (بما استحفظوا من كتاب الله)، لأنّ تمام الاستحفاظ يظهر في عدم المبالاة بالنّاس رضُوا أم سخطوا، وفي قصر الاعتداد على رضا الله تعالى" (٣).
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (٤).
الفرع الخامس: الخطاب بأسلوب الشرط.
١ قال تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ (٥).
وهذه الجملة الشرطية في الآية تتكون من خمسة شروط فالأول: هو إقامة الصلاة.
والثاني: إيتاء الزكاة.
_________
(١) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (٦/ ٢٥١) مرجع سابق.
(٢) هو الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، عاش في الفترة ما بين (١٢٩٦ هـ ١٣٩٣ هـ)، رئيس المفتين المالكيين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه بتونس، من أعظم مؤلفاته: تفسيره المسمَّى بـ (التحرير والتنوير) ومقاصد الشريعة الإسلامية. انظر: الأعلام للزركلي (٦/ ١٧٤) مرجع سابق.
(٣) انظر: التحرير والتنوير (٤/ ٢٨٢) المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: ١٣٩٣ هـ) الناشر: مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ/٢٠٠٠ م مصدر الكتاب: موقع مكتبة المدينة الرقمية.
(٤) سورة البقرة الآية: (٤١ - ٤٢).
(٥) سورة المائدة الآية: (١٢).


الصفحة التالية
Icon