وقد أخرج الثعلبي عن ابن عباس - رضي الله عنه - (١): ﴿أن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - وبعض أهل الكتاب أتوا رسول الله - ﷺ - فقالوا: يا رسول الله! إنا نؤمن بك وبكتابك، وموسى والتوراة، وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل.
فقال رسول الله - ﷺ -: بل آمنوا بالله ورسوله محمد وبكتابه القرآن، وبكل كتاب كان قبله. فقالوا: لا نفعل! فنزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾.
فقالوا: يا رسول الله فإنّا نؤمن بالله ورسوله وبالقرآن وبكلِّ رسول وكتاب كان قبل القرآن، والملائكة واليوم الآخر، لا نفرق بين أحد منهم كما فعلت اليهود والنصارى، ونحن له مسلمون، فدخلوا في الإسلام} (٢) (٣).
فتبين لنا من سبب النزول كيف كان موقف بعضهم من دعوة الإيمان، وأنهم آمنوا وصدقوا بخلاف أكثرهم الذين أعرضوا وكذبوا.
وسبب نزول الآية يؤيد قول من جعلها خطاباً لأهل الكتاب، وهو ما ذهب إليه ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى وغيره كما قدمنا، وهو الصحيح لوروده سبباً في نزول الآية.
الخلاصة:
أن الآية تخاطب أهل الكتاب وتأمرهم بالإيمان بالله الإيمان الصحيح الذي يقتضيه دين الإسلام على ما سبق التعريف به، والذي يتضمن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، كما قال تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ
_________
(١) هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله - ﷺ -، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ومات في الطائف سنة (٦٨ هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٣/ ٩٣٣) مرجع سابق، أسد الغابة (٣/ ٢٩٥) مرجع سابق، والإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ١٤١) مرجع سابق.
(٢) انظر: الكشف والبيان للثعلبي، (٣/ ٤٠١) مرجع سابق، والذين ذكرهم الثعلبي أهل الكتاب الذين آمنوا مع عبدالله ابن سلام هم: أسداً وأسيداً أبني كعب وثعلبة بن قيس وسلّام أبن أخت عبد الله بن سلام وسلامة ابن أخيه، ويامين ابن يامين.
(٣) انظر: الفتح السماوي بتخريج أحاديث القاضي البيضاوي، (٢/ ٥٣٦) المؤلف: زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي المناوي (المتوفى: ١٠٣١ هـ)، الناشر: دار العاصمة - الرياض. وذكره الثعلبي من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وذكره الواحدي في الأسباب عن الكلبي بغير سند.