الطائع الخاضع المتبع المستجيب، أي: فهم مدعوون للإقرار بتوحيد ذات الله، ووحدة الألوهية ووحدة القوامة، مدعوون بعد هذا الإقرار إلى الخضوع لمقتضاه، وهو تحكيم كتاب الله ونهجه في الحياة (فإن أسلموا فقد اهتدوا) فالهدى يتمثل في صورة واحدة، هي صورة الإسلام بحقيقته تلك وطبيعته، وليس هنالك صورة أخرى، ولا تصور آخر، ولا وضع آخر، ولا منهج آخر يتمثل فيه الاهتداء إنما هو الضلال والجاهلية والحيرة والزيغ والالتواء" (١).
ثم بين الإمام الزمخشري رحمه الله كيف كان موقفهم: " (ءأَسْلَمْتُمْ) يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة؛ فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم يتبق من طرق البيان والكشف طريقاً إلا سلكته: هل فهمتها أم لالا أُم لك (٢)! ومنه قوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ (٣) وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق، وللمعاندة بعد تجلي الحجة ما يضرب أسداداً بينه وبين الإذعان" (٤).
وقال العلامة السعدي في تفسيرها: "لما بيَّن الله أن الدين الحقيقي عنده الإسلام، وكان أهل الكتاب قد شافهوا النبي - ﷺ - بالمجادلة، وقامت عليهم الحجة، فعاندوها، أمره الله تعالى عند ذلك أن يقول ويعلن: إنه قد أسلم وجهه، أي: ظاهره وباطنه لله، وأن من اتبعه كذلك قد وافقوه على هذا الإذعان الخالص.
وأن يقول للناس كلهم، من أهل الكتاب والأميين أي: الذين ليس لهم كتاب من العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم، والهدى والحق، وإن توليتم فحسابكم على الله، وأنا ليس عليّ إلا البلاغ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة" (٥).
_________
(١) انظر: في ظلال القرآن (١/ ٣٥١) مرجع سابق.
(٢) وهذا الكلمة (لا أم لك) تقولها العرب عند الزجر والذم. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (١/ ٢١) المؤلف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، الناشر: المكتبة بيروت، ١٣٩٩ هـ ١٩٧٩ م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى محمود محمد الطناحي، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري (١/ ٨١)، المؤلف: أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب، الناشر: دار الفكر (مصور عن الطبعة السلفية).
(٣) سورة المائدة الآية: (٩١)
(٤) انظر: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (١/ ٣٧٥)، مرجع سابق.
(٥) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ٩٦٤) مرجع سابق.