المطلب الثالث: الدعوة إلى توحيد الله.
حينما خلق الله الخلق بيَّن الغاية من خلقهم بقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (١)، ومع بيان الشرع لهذه الغاية بأنها التوحيد، فإنه قد أرسل رسله لدعوة جميع الخلق إلى هذه الغاية، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (٢).
وكما جاء في الحديث عن عبدالله بن عباس أن أبا سفيان بن حرب (٣) أخبره أَنَّ هرقل أرسل إليه، وذكر الحديث إلى قوله: ولما سأله عن النبي - ﷺ -: ﴿قال: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قلت: يقول اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شيئا، وَاتْرُكُوا ما يقول آبَاؤُكُمْ﴾ (٤).
وكما أن الرسل عليهم الصلاة والسلام كان توحيد الله هو أول ما يدعون إليه الخلق، وترك عبادة ما سواه، فإن إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة والطاعة كانت هي الغاية الوحيدة التي من أجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، ومما يدل على هذا ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ - ﷺ - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - (٥) حينما أرسله إلى اليمن: ﴿إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله. وفي رواية: أن يوحدوا الله﴾ (٦).
_________
(١) سورة الذاريات: الآية (٥٦).
(٢) سورة الأنبياء: الآية (٢٥).
(٣) أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي - رضي الله عنه -، صحابي جليل، أسلم عام الفتح، مات سنة (٣٤ هـ) في خلافة عثمان. انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٤/ ١٦٧٧) مرجع سابق، وأسد الغابة (٣/ ١٠) مرجع سابق، والإصابة في تمييز الصحابة (٣/ ٤١٢) مرجع سابق.
(٤) أخرجه البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ - برقم: (٧) (١/ ٧) مرجع سابق.
(٥) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي - رضي الله عنه -، شهد بدراً، توفي بالطاعون في الشام سنة (١٧ هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٣/ ١٤٠٣) مرجع سابق، وأسد الغابة (٥/ ٢٠٤) مرجع سابق، والإصابة في تمييز الصحابة (٦/ ١٣٦) مرجع سابق.
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء (٢/ ٥٤٤) برقم (١٤٢٥) مرجع سابق، وفي كتاب التوحيد باب ما جاء في دعاء النبي - ﷺ - أُمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى (٦/ ٢٦٨٥) برقم (٦٩٣٧) مرجع سابق.