-نَسْأَلُ اللهَ العافيَةَ- حَرَّف كلَامَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا أَرَادَ اللهُ، بِنَاءً عَلَى هَوَاهُ، فقَال: أَبُو إبراهِيمَ لَيسَ مُشرِكًا، بَلْ هُوَ عَلَى التَّوحِيدِ، ولَا يُمكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبُو النَّبيِّ مُشرِكًا وآزرُ هُوَ عمُّه ولَيسَ أَبَاهُ، فانْظُرْ كَيفَ الهَوَى! ومَنْ قَال فِي القُرآنِ برَأْيهِ فلْيَتبَوَّأْ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ، فكَيفَ نَقُولُ: لَيسَ أباهُ، وهُوَ عمُّهُ، واللهُ يَقُولُ: -ayah text-primary">﴿وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ كيفَ نَقُولُ: إنَّهُ عَمُّه. وهُوَ يقُولَ: يَا أَبَتِي؟ !
أمَّا يَستَحِي قَائِلُ هَذَا القَوْلِ! أمَّا يَتَّقِي اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى بتَحرِيفِ الكَلِمِ عَنْ مَواضِعِه، بِنَاءً عَلَى عقِيدَةٍ فاسِدَةٍ أن أبَا الرَّسُولِ لَا يُمكِن أَنْ يَكُون كَافرًا!
ونَقُوُل: سبْحَانَ اللهِ! تَأمَّلُوا كَوْنَ أَبِي الرَّسُولِ كَافِرًا وابْنُه نَبيٌّ- أعظَمُ دَلِيلٍ عَلَى قُدرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأنَّه يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ الميَت، وأنَّ النَّسبَ لَا يَنْفَعُ أصحَابَهُ.
واللهِ لَو قُلْنَا هَذَا لِعَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ المُسلمِينَ: إنَّ آزرَ عَمُّ إبراهِيمَ ولَيسَ أبَاهُ. لانْتُقِدْنا، بَلَ نَقُوُل: أبُو إبراهِيمَ كَافِرٌ، وأبُو محُمَّدٍ كَافرٌ، ومَاذَا يَضُرُّ النَّبيَّ - ﷺ - إِذَا كَانَ أبُوهُ كافرًا؟ لا يَضُرُّه شَيئًا، بَلْ هَذَا أكبَرُ دَليلٍ عَلَى كَمال قُدرَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وأنَّه يُخرِجُ الأنبيَاءَ مِنْ أصْلَاب هؤُلَاءِ الكُفَّارِ، لكِنْ -الحُمِدُ للهِ- لَمْ يَخْرُجْ نبيٌّ أبَدًا مِنْ سِفَاحٍ.
أمَّا مَسأَلةُ الكُفْر والإيمَانِ فهَذَا لَا يُعَدُّ انتِهَاكًا لأعْرَاضِ الأنبِيَاءِ.
الشَّاهِدُ مِنْ هَذَا أن إبراهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ قَال لأَبِيهِ صَرَاحَةً وقَال لقَوْمِهِ: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ والجُملَةُ هذهُ مُؤكَّدةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُوم بـ (إِنَّ)، قال المُفسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [﴿بَرَاءٌ﴾ بَرِيءٌ] وهَذَا نَقْصٌ مِنَ المُفسِّر، لأنَّ (برَاءٌ) صِفَةٌ مُشبَّهة، وبَرِيءٌ اسْمُ فَاعِلٍ، والصِّفَةُ المُشبَّهة أَعظَمُ؛ لأنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوامِ والثَّباتِ والاستِمْرَار، فـ (بَرَاءٌ) أعظَمُ مِنْ (بَرِيءٍ)، و (برَاءٌ) يَعْنِي: صِفَةُ البَرَاءَةِ، الصِّفةُ الدَّائِمَةُ الثَّابِتَةُ المُستمِرَّةُ، البَرَاءُ ممَّا أَنْتُمْ عَلَيهِ.


الصفحة التالية
Icon