الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: التَّوحِيدُ الخَالِصُ فِي إبرَاهِيمَ؛ لقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ وهَذَا مَعْنَى قَولي: (لَا إِلَهَ إلا اللهُ). فـ ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ﴾ بإِزَاءِ (لَا إِلَهَ)، و ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ بإزَاءِ (إلَّا اللهُ)، إِذَنْ هَذ الكَلِمَةُ ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ بمَعْنَى: لَا إِلَه إلا اللهُ. تَمَامًا.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّهُ يَنْبَغِي للإنسَانِ أَنْ يَقْرنَ الحُكْمَ بالدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ أَبلَغُ، ذَلِكَ حِينَ قَال إبرَاهِيمُ: ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: قُوَّةُ الرَّجَاءِ -أَي: رَجَاءِ إبرَاهِيمَ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ-؛ لقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ والسِّينُ هَذ تَدُلُّ عَلَى التَّحقِيقِ.
والهِدَايَةُ نَوْعَانِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: هِدَايَةُ الدَّلالةِ بمَعْنى الدَّلالة عَلَى الحَقِّ، وهَذه تَكُونُ مِنَ اللهِ، ومنْ عِبَادِ اللهِ.
النَّوعُ الثَّانِي: هدَايَةُ التَّوفِيقِ للحَقِّ، وهَذ لَا تَكُونُ إلا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا أَحَدَ يَملِكُها، نَسْألُ اللهَ أَنْ يَهدِيَنا وإيَّاكُمْ.
ثُمَّ الآيَاتُ الوَارِدَةُ فِي هَذَا: مِنْهَا مَا يَتعيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى هِدَايَةِ التَّوفيقِ، ومِنْهَا مَا يَتعيَّنُ حمْلُهُ عَلَى هِدَايَةِ الدَّلالةِ، ومِنْهَا مَا يَشْمَلُ الأمرَينِ، فالآيَاتُ الوَارِدَةُ فِي الهِدَايَةِ، فقَوْلُ المُصلِّي: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] يَشْمَلُ الأمرَينِ: هِدَايَةَ الدَّلالةِ وهِيَ العِلْمُ، وهدَايَةَ التَّوفِيقِ وهِيَ العَمَلُ، فهَلْ أنتَ أيُّها المُصلِّي تَشْعُرُ بهَذَا إِذَا قُلْتَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أو تَشْعُرُ بأنَّكَ تَتْلُو القُرآنَ فَقَطْ؟
الثَّانِي غَالبًا، فأكثْرُ النَّاسِ يَقُولُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ يَقْرَؤُها عَلَى أنَّها