النَّبيُّ - ﷺ - (١)، وهُوَ أَعْلَمُ الخَلْقِ بكِتَابِ اللهِ تَعالى.
ومنْ ذَلِكَ قَولُ اللهِ تعَالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيلِ﴾ [الأنفال: ٦٠] قَال النَّبيُّ - ﷺ -: "أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ" مَرَّتينِ أَوْ ثَلاثًا (٢). ففَسَّر القُوَّة بالرَّميِ، لأَنَّ الرَّميَ أشَدُّ مَا يكُونُ فَتْكًا بالنِّسبَةِ للأَسْلِحَةِ، وإِلَى يَومِنَا هَذَا الرَّميُ هُوَ القُوَّةُ، وقَد كَانَ النَّاسُ في الأَوَّلِ يَرمُونَ بالسِّهامِ بالقَوْسِ، والْآنَ يَرمُونَ بالصَّوارِيخِ والقَنَابِلِ.
فلَا تَظُنَّ أن قولَهُ - ﷺ -: "أَلا إِنَّ القُوَّةَ الرَّميُ" خَاصٌّ بِمَا كَانَ فِي عهْدِهِ، بَلْ هِيَ عَامَّةٌ بِمَا يُحْدَثُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.
عَلَى كُلِّ حَالٍ: نَرجِعُ في تَفْسِيرِ القُرآنِ إِلَى تَفْسِيرِ القُرآنِ بالقُرآنِ، ثُمَّ بالسُّنَّةِ، ثُمَّ بأقْوَالِ الصَّحابَةِ -رضي الله عنهم-، ولا نَعدِلُ عَنْ أقْوَالِ الصَّحابَةِ إِلَى تَفْسِيرِ المُتأخِّرينَ أبَدًا، خُصُوصًا فِي العِبَادَاتِ، أمَّا فِي الأُمُورِ الَّتِي تَحْدُثُ وَيكُونُ فِي القُرآنِ إشَارَةٌ لهَا فهَذهِ قَدْ لَا يَرِدُ عَنِ السَّلفِ فيهَا تَفْسِيرٌ، ولكِنْ تُفسَّر حسبَ الوَقْتِ، لأَنَّ هُناكَ أشيَاءَ مِنَ الأُمُورِ الكَونيَّةِ الفضَائيَّةِ والأرضِيَّةِ لَمْ يَتكلَّمْ فِيهَا السَّلفُ رَحِمَهم اللهُ، ولكِنْ تَكلَّم فِيهَا المُتأخِّرُونَ، فنَقُولُ: يُرجَعُ إِلَى قَولِ المُتأخِّرينَ فِي هَذَا، لأَنَّ السَّلفَ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُون ذَلِكَ.
أمَّا مَسَائِلُ العِبَادَةِ والمُعَاملَاتِ ومَا أَشْبَهَهَا، فإِنَّهُ يُرجَعُ في ذَلِكَ إِلَى تَفسِيرِ الصَّحابةِ - رضي الله عنهم - عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ بعْدَ ذَلِكَ المَرتبَةُ الرَّابِعَةُ: كِبَارُ المُفسِّرينَ مِنَ التَّابعِينَ رَحَمَهُم اللَّهُ، ومَرتبتُهُمْ أدْنَى بكَثِيرٍ مِنْ مَرتبَةِ الصَّحابَةِ - رضي الله عنهم -.

(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، رقم (١٨١).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب فضل الرمي، رقم (١٩١٧)، من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon