وَيدُلُّ عَلَى هَذَا أيضًا: أن النَّبيَّ - ﷺ - كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا -أَي: بالبَسْمَلَةِ- فِي القِراءَةِ الجهْريَّةِ، ولَوْ كانَتْ مِنَ الفاتِحَةِ لجَهَرَ بهَا كسَائِرِ آيَاتِهَا.
ويَدُلُّ عَلَى هَذَا أن اللهَ تعَالى قسَمَهَا بينَهُ وبَينَ عبْدِهِ نِصْفَينِ، فثَلاثُ آيَاتٍ للهِ، وثلَاثَ آيَاتٍ للعَبْدِ، ووَاحِدَةٌ بينَهُما، فالثَّلاثُ الآيَاتِ للهِ هِيَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٢ - ٤] والثَّلاثُ الَّتِي للعَبْدِ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: ٦ - ٧]، والمُشتَرَكَةُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]، فتَجِدُ هَذِهِ المُشترَكَةَ هِيَ النِّصفُ، وهِيَ بَينَ العَبْدِ وبَينَ اللهِ نِصفَينِ، هِيَ النِّصْفُ مِنْ بَينِ سَبْعِ آيَاتٍ.
فإِذَا قَال قَائِلٌ: نحْنُ نجِدُ في المُصحفِ أن البَسْملَةَ قَدْ رُقِّمَتْ عَلَى أنَّها مِنْ آيَاتِها، وأنَّ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قَدْ جُعلِتْ آيَةً واحدَةً.
فالجَوابُ: أن هَذَا عَلَى رَأْيِ بَعْضِ العُلمَاءِ، وكَأَنَّ الَّذِين طَبَعُوا المُصحَفَ أوَّلَ مَا طَبَعُوهُ، طَبَعُوه عَلَى هَذَا الرَّأيِ، واستمَرَّ النَّاسُ عَلَيهِ، عَلَى أَنِّي وَجَدْتُ مُصحَفًا مَطبُوعًا فِيهِ أوَّلُ آيَةٍ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾، والْآيَةُ السَّابِعَةُ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾، والبسمَلَةُ لَمْ تُرقَّمْ، وهَذَا هُوَ المُطابِقُ للصَّوابِ.
مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أيضًا أن الآيَاتِ لَا تَكُونُ مُتناسِبَةً فِي الطُّولِ والقِصَرِ إلا إِذَا قسَمْنا الْآيَةَ الأخيرَةَ قِسمَينِ؛ لأنَّكَ إِذَا قُلْتَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ صَارَتِ الْآيَةُ هَذِهِ طَويلَةً بالنِّسبَةِ