سورة الزخرف
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ وصلَّى اللهُ وسلَّمَ عَلَى نَبيِّنا محُمَّدٍ وَعَلَى آلِه وأصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُم بإحسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ فإِنَّ تَفْسِيرَ القُرآنِ العَظِيمِ مِنْ أَهَمِّ وَاجِبَاتِ المُسلمِينَ أَنْ يَعرِفُوا معْنَى كلَامِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأنَّ الكَلَامَ إِذَا لَمْ يُفهَمْ معْنَاهُ لَا يُنتفَع بِهِ، والَّذِي يَقْرَأُ ولَا يَفْهَمُ بمنْزِلَةِ الأُمِّيِّ الَّذِي لَا يَقْرَأُ، كَمَا قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨] أَي: إلا قِرَاءَةً، فسَمَّاهُم اللهُ أُمِّيِّينَ.
والقُرآنُ يُفَسَّر بالقُرآنِ، فإِنْ لَمْ يَكُنْ فبِالسُّنَّةِ، فإِنْ لَمْ يَكُنْ فبأَقْوَالِ الصَّحابَةِ، ولا سِيَّما المَشهُورُون مِنْهُم بعِلْمِ التَّفسِير، فإِنْ لَمْ يَكُنْ فبِمَا قَالهُ كِبَارُ التَّابعِينَ مِنْ أَهْلِ التَّفسِير، هَذِهِ هِيَ القَاعدَةُ الَّتِي مَشَى عَلَيهَا أَهْلُ السُّنَّة والجَمَاعَةُ.
وأمَّا التَّفسِيرُ بالرَّأْيِ فمِنْهُمُ المُخطِئُ ومنْهُمُ المُصِيبُ، ولكِنْ لَا يَجُوزُ للإنسَانِ أَنْ يُفسِّرَ القُرآنَ برَأْيِهِ، بمَعْنَى: أَنْ يُحوِّلَ القُرآنَ إِلَى رَأْيهِ، فإِنَّ مَنْ قَال فِي القُرآنِ برَأْيهِ فلْيَتَبوَّأْ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ، مِثَال ذَلِكَ: الَّذِين يُفسِّرُونَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: ٦٤] بأنَّهُما النِّعمَةُ، فهَؤُلاءِ قَالُوا فِي القُرآنِ برَأْيِهِمْ، لأَنَّ هَذَا المَعْنَى غيرُ المُرادِ قَطْعًا، وكذَلِكَ الَّذِين يَقُولُون: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤]، يَعْنِي: استَوْلَى عَلَى العَرشِ، فإنَّ هَذَا مُنكَرٌ مِنَ القَولِ، وتَفْسِيرُ الْآيَة بِهِ مِنَ القَولِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ، ومِنَ الافتِرَاءِ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.