وهِيَ ذَلِيلَةٌ بَينَ أَيدِينَا، لقَولِهِ: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنّه يَنبَغِي للإنسَانِ إذَا رَكِبَ الأنعَامَ -وكذَلِكَ الفُلْكَ- أَنْ يَجْعَلَ مَركَبَهُ مُريحًا؛ لقَولِهِ: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ إِذْ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُريحًا لَمْ تَتِمَّ النِّعمَةُ، فيَنبَغِي أَنْ يَجعَلَهُ مُرِيحًا بقَدْرِ الإمكَانِ، وعَلَى حسَبِ الحَالِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّهُ يَنبَغِي للإنسَانِ أَنْ يَتذَكَّرَ نِعمَةَ اللهِ عَلَيهِ لمِا سخَّرَ لَهُ مِنَ الفُلْكِ والأنعَامِ؛ لقَولِهِ: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾: (النِّعمَةُ) هُنَا مُفرَد مُضَافٌ، فهَلِ المُرادُ أَنْ نَذكُرَ جَمِيعَ النِّعمِ أَوْ نَذْكُرَ النِّعمَةَ المُناسِبَةَ للحَالِ؟
الجَوابُ: الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي؛ لأنَّ الإنسَانَ قَدْ لَا يَستَحْضِرُ حينَما يَتذَكَّرُ كُلَّ النِّعمِ مِنَ الأَمْوالِ والأَولَادِ والأَمْنِ والطُّمأنينَةِ، ولكِنْ يَذكُرُ النِّعمَةَ الحَاضِرَةَ.
الفائِدَةُ الخَامِسَةُ: استِحْبَابُ هَذَا الذِّكرِ عنْدَ الرُّكوبِ وهُوَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾.
فإِنْ قَال قَائِلٌ: لمَاذَا اخْتِير كلمَةُ (سبْحَان) دُونَ (اللهُ أكبَرُ) مَثَلًا؟
فالجَوابُ: أَنَّ تَسبِيحَ اللهَ يَعنِي تَنزِيهَه عَنْ كُلِّ نقْصٍ وعَيبٍ، بخِلَافِ الإنسَانِ فإِنَّهُ مُحتَاج إِلَى الرُّكوبِ فهُوَ نَاقِصٌ، فنَاسَبَ أَنْ يَقُولَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا﴾ حتَّى إنَّه بحاجَةٍ إِلَى هَذه المَركُوباتِ، وأنَّ اللهَ عَزَّ جلَّ مُنزَّهٌ عَنِ الحَاجَةِ.
يَعني لَوْ قال قَائلٌ: لمَاذَا لَمْ يَقُلْ: مَا أَعْظَمَ نِعمَةَ اللهِ علَيَّ! أَو اللهُ أكبَرُ! ؟
فالجَوابُ: أنّه لمَّا رَأَى نفْسَهُ مُحتَاجًا إِلَى الرُّكوبِ نَزَّهَ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَنِ الحَاجَةَ فقَال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا﴾.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أَنْ نَذكُرَ نِعمَةَ اللهِ علَينا بتَسخِيرِ هَذه الأنعَامِ؛ لقَولِهِ عَزَّ وجلَّ: