قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾.
وهنا قال: ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ ولم يَقُلْ: فلهم النَّارُ مأوًى أو فلهم نارُ المأوى، والفارق: أنَّ النَّار كلُّ أَحَدٍ لا يُحِبُّ أن تكون مأواه، بخلاف الأَوَّلِ؛ فالجَنَّة كُلُّ يُحِبُّ أن تكون هي المأوى، وأمَّا هذا فلا، وإن كان هذا الفَرْقُ قد يختلف في بعض الآيات؛ مثل قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٣٧ - ٤١].
ولكنْ لكُلِّ مقامٍ مقالٌ؛ فهنا المقامُ مقامُ مُعادَلَة وموازَنَة، فلهذا فَرَّقَ بينهما؛ قال: ﴿جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ وهنا قال: ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ أما هنا فليس هناك مُعادَلَة؛ لأنَّه لما ذكر أنَّ قومًا يَدَّعُون لأنْفُسِهم أنَّهُم على الحَقِّ، فأنكر الله ذلك.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ النَّار؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ وهي موجودة الآن، والدَّليلُ قولُه تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: شِدَّةُ عذابِ أَهْلِ النَّارِ لِكَوْنِهِم يُمَنَّوْنَ بالخُرُوجِ ويُرْفَعُونَ فيَرتَفِعُ بهم اللهب حتى إذا ظَنُّوا أنَّهُم يَخْرُجونَ أعيدوا فيها: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا﴾.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ أهْلَ النَّار يُجْمَعُ لهم بين العذابِ الجِسْمِيِّ والعذابِ القَلْبيِّ للتَّوْبيخِ؛ قال تعالى: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾.
* * *