إلى الله يُرادُ به التَّعظيمُ، وقد سبق لنا أنَّ النَّصْرانيَّ لو استدلَّ بالجمع على التَّعَدُّد، قلنا له: أنت من أصحاب الزَّيْغِ الذين يتَّبِعون ما تشابه منه؛ لأنَّك لو رجَعْتَ إلى قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ زال عنك هذا الإشتباه.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ هي كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ فكلمة: ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ تعني أنه صاحِبُ انتقامٍ؛ يعني: لمن يستحِقُّه.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ مُقَيَّدَةٌ: منتقمون من المجرمينَ، وبهذا نعرف أنَّ المُنْتَقِمَ ليس من أسماء الله؛ لأنَّ الإسْمَ من أسماء الله يكون مُطْلَقًا دالًّا على المعنى الأَحْسَنِ على كلِّ تقديرٍ؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ فكل كلمة تحتمل هذا وهذا فإنَّها لا تكون من أسماءِ الله؛ لأنَّ الله يقولُ: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ والإنتقامُ لا شكَّ أنه حَسَنٌ في محَلِّه؛ وعليه فلا يَصِحُّ أن يُوصَفَ الله به على سبيل الإطلاقِ، وهو معدودٌ من الأسماء الحسنى المشهورَةِ، لكنَّ هذه الأَسماءَ الحسنى المشهورة كما قال شَيْخُ الإسلامِ (١) وغَيْرُه من أهل التَّحقيقِ رَحَمَهُم اللَّهُ: "ليست ثابِتَةً عن الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ" لأن فيها أشياءَ من الأَسْماء لا تصِحُّ اسمًا لله.
إِذَن: فهل يُوصَفُ الله بالإنتقامِ مطلقًا، فيقال: المُنْتَقِم؟
والجوابُ: لا؛ لأنه ما ورد إلا مقَيَّدًا، وورد ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ نَكِرَةً في سياقِ الإثباتِ فلا تدلُّ على العمومِ؛ لأنَّ النَّكِرَةَ في سياق الإثباتِ - كما هو معروف - لا تُفيدُ العمومَ، وإنَّما تفيدُ العمومَ إذا كانت في سياقِ النَّفْي أو النَّهْي أو الشَّرط أو الإسْتِفْهامِ الإنكاريِّ، كما ذكره أهلُ الأُصولِ.

(١) انظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٣٧٩).


الصفحة التالية
Icon