فَتَضُرُّونِي" (١) فلا يَلْزَمُ من الأذى الضَّرَرُ، فها نحن الآن نتأذَّى برائِحَةِ إنسانٍ أَكَلَ بصَلًا أو ثُومًا ولا نتَضَرَّر، فلا يَلْزَمُ من الأَذى الضَّرَرُ، والرَّسولُ - ﷺ - لا شكَّ أنَّه أُوذِيَ، ولكن ما ضَرَّه ذلك، والحمْدُ لله! صار الأَمْرُ والعاقِبَةُ للرَّسول - ﷺ -.
وأمَّا قوله تعالى: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ فالمعنى أنه لن يضرُّوكم أبدًا، ولكن مِن أذًى؛ ولهذا قالوا: إنَّ الإسْتِثْناءَ في هذه الآيَةِ مُنْقَطِعٌ.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى﴾ ﴿جَعَلْنَاهُ﴾: الضميرُ يعود على موسى أو الكِتاب؛ ولهذا قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿وَجَعَلْنَاهُ﴾ أي موسى أو الكتابَ ﴿هُدًى﴾ هاديًا ﴿لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾].
﴿هُدًى﴾ مصدرٌ، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّه بمعنى اسْمِ الفاعِلِ [هاديًا ﴿لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾]، واسْمُ الفاعِلِ صالِحٌ للكتابِ وصالِحٌ لموسى.
وقوله تعالى: ﴿لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ بنو إسرائيلَ أي: ذُرِّيَّة إسرائيلَ، فيشْمَلُ الذُّكورَ والإناثَ، لكِنْ لو قُلْتَ: (بنو فلان) وهو شَخْصٌ، وليس هو بقبيلَةٍ، فـ (بنو): للذُّكور، فإذا قلْتَ مثلًا: (بنو محمَّدٍ) فالمعنى: الذُّكور، وإذا قُلْتَ: (بنو تميمٍ) فيشْمَلُ الذُّكورَ والإناثَ؛ لأنَّهم قبيلةٌ، وإذا قلتَ: (بنو آدَمَ) فيَشْمَلُ الذُّكورَ والإناثَ، وأما قوْلُ الرَّسُولِ - ﷺ -: "إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ" (٢) فخاصٌّ بهنَّ.
وإسرائيلُ هو يعقوبُ بْنُ إسحاقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وهُوَ نَبِيٌّ من الأنبياءِ، ويقولون: معنى (إسرائيلَ) أي: عَبْدُ الله، وهو لقبٌ له.

(١) أخرجه مسلم: كتاب البر، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب كيف كان بدء الحيض، رقم (٢٩٤)، ومسلم: كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (١٢١١)، من حديث عائشة - رضي الله عنهما -.


الصفحة التالية
Icon