وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي يتبين لكفَّار مكة] المُفَسِّر دائمًا يخُصُّ مثل هذه العباراتِ لأهْلِ مكَّة، وكأنَّه رَحِمَهُ اللَّهُ يرى أنَّ كونَ الآيات المكية تُعَيِّنُ المرادَ، ولكِنَّ الأَوْلى أن يُقالَ: العِبْرةُ بِعُمومِ اللَّفْظِ لا بخصوص المكانِ، كما أنَّ العِبْرة بعمومِ اللَّفْظ لا بخصوص السبَّب، فإذا لم يكن هناك سببٌ يقتضي تخصيصَ المكان به فإنَّ العِبْرةَ بالعموم.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ الأُمَم بكُفْرِهم] أي: بسببِ الكُفْر، والقرونُ جَمْعُ قرنٍ، والمراد بالقَرْنِ الأُمَّة من النَّاس، كما في الحديث الصَّحيحِ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ" (١).
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿يَمْشُونَ﴾ حالٌ من ضميرِ ﴿لَهُمْ﴾] في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾؛ فـ ﴿يَمْشُونَ﴾ حالٌ من ضمير لهم، وإن كان يُحْتَمَلُ الحالُ ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ لكِنْ ﴿لَهُمْ﴾ أحسن، لأنها مبتدأُ الكلام؛ يعني: حالَ كَوْنِ هؤلاء يمشون.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [﴿فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ في أَسْفارِهِم إلى الشَّام وغيرها] يعني أنَّ هؤلاء الذين بَقُوا إلى وقت نزولِ القرآن قد تبَيَّنَ لهم إهلاكُ الأُمم السَّابِقَة، وهؤلاء الذين بَقُوا إلى وقت نزولِ القُرْآنِ يَمْشُون في مساكِنِ أولئك المعَذَّبينَ، وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [في أَسْفارِهِم إلى الشَّامِ] أي في طريقهم إلى الشام - بمعنى أنَّ المراد كُفَّارُ مكَّة - مثل ديار ثمودَ ومثل ديارِ قوْمِ لوطٍ، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الحِجْرِ: ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾، وكونهم يمشون في مساكنهم هذا أبْلَغُ في النَّظَر وفي التبيُّنِ؛