فالإنسان الذي يَقْصِدُها نقول: لا تَدْخُلْها إلا باكيًا، وأما الذي يَمُرُّ بها مرورًا فلَهُ أن يَمُرَّ، ولكن يُسْرِعُ كما أسرع النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
أما الذَّهابُ إلى هذه المساكِنِ من أجل أنْ يتفرج ويقول: حضارةٌ عظيمةٌ، وانْظُرْ هذه الحضارَةَ القديمةَ! هل يوجد في الحضارَةِ الجديدة مثلُها! ويُشَمُّ من كلامِهِ تعظيمُ هؤلاء؛ فهذا لا نوافِقُ عليه؛ لأنَّ هذا من السَّيْرِ في الأرض المنْهِيِّ عنه؛ لأن كَوْنَنا ندخل على هؤلاء متفرجين مُنْبَسِطينَ مُنْبَهِرينَ بِقُوَّتِهم متناسينَ ما وقع بهم من العذاب لمخالَفَتِهِم أَمْرَ الله ورُسُلِه، فإن هذا مذمومٌ، وليس محمودًا ولا مأمورًا به.
وعليه، فنقول لكلِّ من أراد أن يَذْهَبَ إلى هذه البلادِ: إذا كنتم فَعَلْتُم ذلك على سبيل النُّزْهَة فهذا حرامٌ عليكم، أما على سبيل الإعتبارِ والإتِّعاظِ بما جرى لهم من العذابِ والنَّكَالِ وأن تتأثَّرُوا بذلك حتى تَبْكُوا فهذا جائِزٌ، وإلا فلا تدخلوا حتى لا تُعَرِّضُوا أنْفُسَكُم للعذابِ، وأمَّا عن شَدِّ الرِّحالِ فليس فيه بأسٌ؛ لأنه ليس على سبيل التَّعَبُّدِ بهذا المكان نَفْسِه.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ في إهلاكِ الأُمَمِ عِبْرَةً وآيةً؛ لقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾ فهو آيةٌ لِكَوْنِ الله تعالى أَخَذَهُم وأَهْلَكَهُم مع قُوَّتِهم؛ وهي عبرةٌ؛ أنَّ الله أخَذَهُم لمخالفته؛ كما قال الله: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾، وقال في الآية الأخرى: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، وقال في آية أخرى: ﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾، وكلُّ هذا يُفيدُ بأنه يَجِبُ علينا نحن أن نَعْتَبِر بهذه الآياتِ وأن نخافَ.


الصفحة التالية
Icon