قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ يكثُرُ في القرآنِ الكريمِ مثلُ هذا التَّعبيرِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ٦٩] فهل هو للرَّجاءِ أم للتوقُّعِ؟
الجوابُ: قال بعضُهُم: إنَّها للرَّجاء، ولكن باعتبارِ حالِ المخاطَبِ لا باعتبارِ حالِ المتكلِّم؛ لأن الرَّجاءَ هو الطَّمَعُ في نَيْلِ ما يَعْسُر إدراكُه، قد لا يتعذَّرُ، لكنه يؤمَّلُ إلا أنه فيه نوعُ شِدَّةٍ، والرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لا يُمْكِنُ وَصْفُه بهذا الوَصْفِ، فيكون مُتَرَجِّيًا باعتبارِ حالِ المخاطَبِ.
وجملة (لعلَّ) للتَّعليل، وكونُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يجعل الشَّيءَ علَّةً للشَّيء؛ ليس فيه نَقْصٌ، بل هو من كماله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبني من الأسبابَ أسبابًا.
يَرِدُ على هذا القَوْل: أن العلَّة ملازِمَةٌ للمعلولِ، فإذا قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ لَزِمَ أن يهتدوا فما دَامَتْ علَّة، فالعِلَّةُ ملازِمَةٌ للمَعْلول: فلما جاءهم هذا النَّذيرُ يلزم اتِّباعُه.
والجوابُ على ذلك أن يُقالَ: إنَّ العلَّةَ علَّتانِ: عِلَّةٌ باعِثَةٌ، وعلَّةٌ غائِيَّةٌ، والعلَّةُ الباعِثَة مُوجِبة وغيرُ مُوجِبَة، وهذه كقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] مع أنَّهم ما يعبدون الله كلُّهُم، وكقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٦٤]. ومعلومٌ أنَّ كثيرًا من الرُّسُل ما أُطيعوا، فيكون هنا العِلَّة الباعِثَة غيرَ الموجِبَة؛ يعني أنَّ الحكمةَ من هذا هو هذا، ثم قد تَحْصُل وقد لا تَحْصُل، ومثَّلوا لذلك بقولهم: شَرَيْتُ القَلَمَ لأكتبَ به، أو لهذه الغايَةِ، ولكن: هل يلزَمُ أن تَكْتُبَ؟
الجوابُ: قد تكتب، وقد لا تَكْتُب.