في آية أخرى: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: ٣١] والعَطْفُ يقتضي المُغايَرَة، وأنَّ النَّصيرَ غيرُ الوليِّ؛ ولهذا الأَوْلى أن يُفسِّر الوَلِيَّ لمن يتولَّى أَمْر الإنسان؛ يتولى أَمْرَه بِجَلْبِ الخَيْرِ له ودَفْع الضَّرَر عنه، ثم إن قُرِنَتْ بالنَّصيرِ صارت خاصَّة بجلب الخيرِ، والنَّصير بدَفْع الشَّرِّ؛ فالمراد: مِنْ وَلِيٍّ؛ أي: من مُتَوَلٍّ لأَمْره بِجَلْب الخير له، ودَفْعِ الشَّرِّ عنه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا شَفِيعٍ﴾ أي: شافِع يَشْفَعُ لكم، ولهذا قال: [﴿وَلَا شَفِيعٍ﴾ يَدْفَعُ عذابه عنكم] هذا أيضًا فيه نظر؛ لأنَّ الشَّفيع ليس يَشْفَع، ولكنه يُشْفَع ويُطْلب، الدَّافِعُ هو النَّاصر والوليُّ، أما الشَّفيع فإنَّه ليس يَدْفَعُ ولكنَّه يتوسَّط؛ ولهذا قالوا في تعريف الشَّفاعَةِ: هي التَّوسُّط للغير بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أو دَفْعِ مَضَرَّة، فيثبُتُ للغَيْر؛ لأنَّ الشَّفيع يأتي شافعًا للمَشْفوع له، فبعد أن كان فردًا صارا اثنينِ.
فالصَّوابُ أنَّ المراد بالشَّفيعِ؛ أيْ: شفيع يشفَعُ لكم عند الله، فنحن ليس لنا أحدٌ يتولَّانا من دون الله، وليس لنا أحدٌ يَشْفَعُ لنا عند الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾؛ ولهذا لا تكون الشَّفاعة إلا بإذن الله، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥].
قال رَحِمَهُ الله: [﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ هذا، فتُؤْمِنون] ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ تقدَّمَ لنا مِرارًا وتَكرارًا أنَّ مِثْل هذه الجُمْلَة يرى النحويُّون في إعرابها وَجْهَينِ:
الوَجْه الأوَّل: أن تكون الهَمْزَةُ داخِلَةً على شيء محذوفٍ مناسِبٍ للمَقامِ، والفاء عاطِفة على ذلك المحْذوفِ.
الوَجْه الثاني: أن تكون الهَمْزَة داخِلَةً على الجملة التي بعد العاطِف، والعاطِفُ عاطِفٌ على ما سبق.