ففي الآيَةِ هنا مقدارُهُ ألْفُ سَنَةٍ، وفي سورة المعارِجِ مقدارُهُ خمسونَ ألْفَ سَنَةٍ.
والجوابُ عند المُفَسِّر أن يُقال: إنَّ اخْتلافَ التَّقديرِ هنا باعتبارِ أحوالِ النَّاسِ؛ فمنهم من يُخَفَّفُ عنه حتى يكون كألْفِ سَنَةٍ، بل قد يكون كأداءِ صلاةٍ مكتوبةٍ، ومنهم من يُثقَّلُ حتى يكونَ بمقدارِ خَمْسينَ ألفَ سنةٍ.
أما على القولِ الصَّحيحِ الذي مشى عليه ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله (١) وأكَّدَهُ في التَّفْسيرِ؛ فيقولون: إنَّ هذا كلَّه في الدُّنيا: التَّدْبير والعُرُوج، وأنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يدبِّرُ الأَمْرَ من السَّماء إلى الأرض، ثم يَعْرُجُ إليه آثارُ هذا التَّدْبير؛ يعني في الدُّنْيا، ويقولون معنى ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾: بأنَّ مسافَةَ ما بين السَّماء إلى الأَرْضِ خَمْسُ مئة سَنَةٍ، هذا نزولٌ، ومسافتها عُرُوجًا خَمْسُ مِئَةِ سَنَةٍ، فيكون الجميعُ ألْفًا، فيكون معنى قوله تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ باعتبارِ النُّزُولِ وباعتبارِ العُرُوجِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لماذا خَصَّ السَّماء الدُّنيا؟
فالجوابُ: لأنه عَزَّ وَجَلَّ قال: ﴿مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾؛ لأنَّه لو كان الأَمْر في السَّماء السَّابِعَة مثلًا؛ فليست هذه المدَّة إذا جعلنا بين كلِّ سماء إلى سماء خَمْسَ مئة عامٍ، وكِثَفَ كُلِّ سماءٍ خَمْسَ مئَةِ عامٍ، كلُّ عامٍ يكون أكْثَرَ من هذا؛ فإن مَسافةَ ما بَيْن السَّمواتِ كما جاءَ في الحديثِ: أنَّ كِثَف كُلِّ سماءٍ خَمْسُ مئَةٍ عام، وما بين السَّماءِ والأَرْضِ: خمسُ مئَةِ عامٍ (٢).
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ﴾: ﴿فِي يَوْمٍ﴾ هل لا بدَّ أن يكون في يومٍ كامِلٍ

(١) تفسير ابن كثير (٦/ ٣٢١).
(٢) أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحديد، رقم (٣٢٩٨)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon