وأمَّا قوله [﴿الرَّحِيمُ﴾ بأهْلِ طاعَتِهِ] فكأنه أخذ هذا التَّخصيصَ من قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣] والصَّوابُ: أنَّ الرَّحيمَ هو مَن رَحِمَ غيرَه، وَيشْمَل المؤمنينَ وغيرَ المُؤمنينَ، ولكنَّه إذا قيل: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ فالمراد بالرَّحيمِ هنا الرَّحمةُ الخاصَّةُ، أمَّا إذا أُطْلِقَ فهو رحيمٌ بالخَلْقِ كُلِّهِمْ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: ٥٣] فهؤلاء الكُفَّارُ هل الله عَزَّ وَجَلَّ رَحِمَهُم؟
الجوابُ: نعم، بالمعنى العامِّ رَحِمَهُم؛ فهو تعالى يُنْزِلُ عليهم المَطَرَ ويُنْبِتُ لهم النَّبات ويُعْطيهم الرِّزْقَ والصِّحَّة، وغير ذلك، لكن هذه رَحْمَةٌ عامَّة.
أما رَحْمَتُه بالمؤمنينَ فهي رحمةٌ عامَّة وخاصَّة.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثباتُ عمومِ عِلْمِ الله؛ لقوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثباتُ هذين الإسمينِ من أسمائه: العزيز الرَّحيم، وما تضَمَّناه من الصِّفَة وهي العِزَّة والرَّحمة، وكمالُ عِزَّته ورَحْمَته باجتماعهما: أنه مع كونه عزيزًا قاهرًا غالِبًا فهو أيضًا رحيمٌ؛ لأنَّ بعض الأَعِزَّاء إذا عَزَّ لا يَرْحَم، وبعض الرُّحَماءِ تَصِلُ به الرَّحْمةُ إلى أن يكون في مقامِ الذُّلِّ؛ فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جامِعٌ بين العِزِّ والرَّحْمَةِ، وهذا من كماله؛ يعني: الجمعُ بين العِزَّة والرَّحمة فيه كمالٌ أكثَرُ من إثباتِ العِزَّة والرَّحْمة، وهو: أنَّ رَحْمَتَه مقرونَةٌ بعِزٍّ ليست رحمةَ ذلٍّ، وأنَّ عِزَّته أيضًا مقرونَةٌ برَحْمَةٍ ليست عِزَّةَ جَبَروتٍ لا رحْمَةَ فيها.
* * *