فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] وقال: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الإنفطار: ٧] أحسن خِلْقَة من الحيواناتِ هو الآدميُّ، ولكِنْ مع ذلك كلُّ شيءٍ له خِلْقَة تُناسِبُه وهي بالنِّسْبة إليه حَسَنَةٌ، ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢] الحَمُولَةُ: ما يُحْمَلُ عليه، والفَرْشُ ما لا يُحْمَلُ عليه، كلُّ شيءٍ من هذا وهذا فإنَّه قد خُلِقَ على أَحْسَنِ ما يكون وأَنْسَبِ ما يكون لِمَا خُلِقَ له.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَبَدَأَ﴾ يعني: ابتدأه، وقوله تعالى: ﴿خَلْقَ الْإِنْسَانِ﴾ هل المرادُ الجِنْسُ أو المراد العَيْنُ؛ بدأ خلق الإنسان؟ المُفَسِّر مشى على المراد العَيْن، وهو الإنسان المُعَيَّنُ وهو آدم، ويُحْتَمَل أن يكون المرادُ به الجِنْسَ، وبدأ خلْق الإنسان؛ لأنَّ آدَمَ من الإنسان فإن الله بيَّن أنَّ ابتداء خلق هذا الإنسان أَصْلُه من الطِّينِ، وفَرْقٌ بين قوله تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ﴾ وبين: ﴿خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ فإنَّ الأخيرة أَبْيَنُ في كون المرادِ به شيئًا فشخصًا مُعَيَّنًا بخلاف (بدأ).
على كلِّ حالٍ: فالآيةُ مُحْتَمِلَة أن يكون آدَمَ أو أن يكون المرادُ به الجِنْسَ، على القول: أنه آدم نمشي.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ أي: نَسْلَ الإنسانِ الذي ابتدأ من الطِّينَ؛ جعَلَ نَسْلَهُ يقول: [ذُرِّيَّتَه]؛ لأن النَّسْلَ بمعنى الإنفصالِ؛ كما في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] أي: يَنْفَصِلونَ مُسْرعينَ، فالنَّسْلُ هو الذُّرِّيَّة؛ لأنَّها ناسِلَةٌ من أبيها؛ أي: مُنْفَصِلَة من سُلالَةٍ من ماءٍ مَهينٍ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ من ما: هذه صِفَةٌ لسُلالَةٍ؛ سلالَة من الماء، والغريبُ أن المُفَسِّر فسَّر السُّلالَة بـ[العَلَقَة] وليس كذلك، بل السُّلالَة: الخالِصُ من الشَّيء؛ فسلالةُ الشَّيء خالِصُه الذي يسَل منه، فقوله تعالى: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ﴾