وَلهِذَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إذا كانَتِ الجُمْلةُ الإسْتِفْهامِيَّة هنا للإنكارِ، فكيفَ تأتي اللَّامُ الدَّالَّةُ على التَّوْكيدِ ﴿أَإِنَّا لَفِي﴾؟
نَقُول: المراد يُنْكِرونَ أن يتأكَّدَ ذلك، يعني: أيتَأَكَّدُ أَنَّنا في خلقٍ جديدٍ بعد أن تأْكُلَنا الأَرْضُ، وهو كقولِ إخْوَةِ يُوسُفَ: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: ٩٠].
فالمُهِمُّ: أنَّ هذا التَّأْكيدَ كأنَّهم يُنْكِرونَ ما أُكِّدَ من كَوْنِهم يُرْجَعونَ ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾.
وقوله تعالى: ﴿لَفِي خَلْقٍ﴾ هل الخَلْقُ هنا بمعنى المَخْلوقِ؛ يعني: أَإِنَّا لَنكونُ في أمَّة جديدة، أو أنه مَصْدَرٌ بمعنى التَّقريبِ؛ يعني ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ﴾ أي: لأن يَخْلُقَنا الله؟
يحتمل المعنيينِ، وكلاهما صحيحٌ ولا يَتَعارضانِ، يعني أَنَكُونُ في خلقٍ جديدٍ وأمَّةٍ جديدة، أو أَنُخْلَقُ خَلقًا جديدًا بعد أن ضَلَلْنا في الأَرْض وكنَّا ترابًا؟ !
والجوابُ: وما ذلك على الله بِعَزيزٍ، فالذي أنشأَكُم من التُّرابِ قادِرٌ على أن يُعيدَكُم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ حتى لو فَنِيَ الإنسانُ كلُّه، مع أنه ورد في الحديث أنه "يَفْنَى كُلُّهُ إِلَّا عَجَبَ الذَّنَبِ" (١) فإنَّه منه يُخْلَقُ الإنسانُ كالنَّواةِ بالشَّجَرة، فيُسْتَثْنى من ذلك الأنبياءُ عليهم الصَّلاة والسَّلام؛ فإنَّ الله حرَّم على الأرضِ أن تأكُلَ أجسادَ الأنبياءِ، وهذا دليلٌ على قُدْرَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلَّا فالأنبياءُ بَشَرٌ؛ لأنَّهم خُلِقُوا أصلًا من ترابٍ، لكن الآن من لَحْم وعَظْم وجِلْد كسائر بني آدَمَ، ومع ذلك الأَرْضُ لا تأكُلُ منهم شيئًا أبدًا، أمَّا غير الأنبياءِ فإنَّها تأكُلُهُم، لكن قد يَحْمي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى