ونحن قد بيَّنَّا كثيرًا أنَّ القرآنَ والسُّنَّة ليس فيهما تعارُضٌ، قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا﴾ [النساء: ٨٢] لأنه إذا رَأَيْتَ في شيء منهما تعارضًا فاعلم أن ذلك من سُوءِ فَهْمِك أو قِلَّة عِلْمِك، فتَدَبَّرْ وتَعَلَّمْ حتى يتبَيَّنَ لك الأمرُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وما الجوابُ عن قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾؟
فالجوابُ: لكنَّ الذي يتولى إخْراجَها مباشَرَةً من عند الحُلْقُوم هو مَلَكُ الموتِ، ثم هؤلاء الملائِكَةُ الباسطونَ أيديهم، إن كان أنَّهُم الذين يَنْتَظِرون قَبْلها فهم يَنْتَظِرون قبل أن يَأْخُذَها منه، وإن كان الآخَرونَ الذين يُخْرِجونها حتى تَصِلَ إلى الحُلْقُوم فكذلك، وليس هناك مُشْكِلَةٌ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ [﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ أي بِقَبْضِ أَرْواحِكُم] يعني: لم يُوَكَّلْ بنا في كُلِّ شيء، ولكنَّه وُكِّلَ بنا بِقَبْض الأرواح فقط، لكنْ هناك ملائِكَةٌ مُوَكَّلونَ بنا في حِفْظ أعمالنا وفي حِفْظنا أيضًا، وكذلك ملائِكَةٌ موكَّلون في أعمالنا يجوبون الأرضَ وينظرون مجالِسَ الذِّكْرِ فَيَجْلِسون فيها.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أحياءً فيُجازيكُم بأَعْمالكم] يعني بعد الموتِ يَرْجِعُ الإنسان إلى ربِّه فيُجازَى بِعَمَلِه إنْ خَيْرًا فخَيْرٌ، وإنْ شرًّا فشَرٌّ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ الذي يتولَّى قَبْضَ الأَرْواحِ مَلَكُ الموتِ؛ لقوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثباتُ الملائِكَةِ؛ لقوله تعالى: ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ والملائِكَةُ عالَمٌ غَيْبِيٌّ