وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ جاء بالجُمْلَة الإسمِيَّة الدَّالَّةِ على الثُّبُوتِ والإسْتِمْرار ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ الآن؛ لكن لا يَنْفَعُ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ وهذا خبرُ الله عَزَّ وَجَلَّ والذي لا يَكْذِبُ ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٧ - ٢٨].
والمراد الكُفَّارُ، أمَّا الفُسَّاقُ فليسوا دائمين في النَّارِ؛ فعذابُهُم بقَدْر أَعْمالهم، ثم إنَّهم يَدْخُلون الجنَّةَ، والفُسَّاقُ يَعْبُرونَ الصِّرَاطَ ولا يُذْهَبُ بهم إلى النَّارِ مباشرة، بل يَعْبُرون الصِّراطَ ثم يَتَساقَطُون في النَّارِ بِحَسَبِ أَعْمالهم.
قال المُفَسِّر: [وجوابُ (لو): لَرَأَيْتَ أَمْرًا فظيعًا] يعني: الجوابُ محذوفٌ.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: ما هي الحِكْمَةُ في حَذْفِ الجواب؟ ولماذا لا يُذْكَرُ من أجل ألَّا يكونَ هناك اختلاف؟ وما هي الحِكْمَة في الإبهامِ في قوله تعالى: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ [طه: ٧٨]؟ ولماذا لا يُذْكَرُ لأنَّه أَبْيَنُ؟
الجوابُ: أنَّه في مقام التَّهويل ينبغي الإبهامُ؛ لأجل أن يَذْهَبَ الذِّهْنُ كلَّ مَذْهَبٍ في تعظيم الأَمْرِ وهَوْلِه؛ لأنَّه إذا ذُكِرَ الشَّيْء قد يهونُ؛ فلو قيل لك: والله هناك سَبُعٌ عظيم يأكل النَّاسَ ويفعل ويفعل ويفعل! وهوَّلَ لديك وأنت لم تَرَهُ فسيكونُ عندك رُعْبٌ، لكنْ ربَّما إذا رأيته يَهُون عليك الأَمْر؛ كذلك مِثْلُ هذه الأمور العظيمة؛ إذا أَبْهَمَها الله فإنَّها أعظم وأَوْقَع في النَّفْس وأَشَدُّ وأَعْظَمُ؛ ولهذا حُذِفَ الجوابُ هنا، وأُبْهِمَ الغاشي في قوله تعالى: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ وأُبْهِمَتِ الحاقَّة والقارعة في مثل: ﴿الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ١ - ٣]، ﴿الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ١ - ٢] وما أشبه ذلك، وكلُّ هذا من باب التَّعظيمِ والتَّهويلِ.


الصفحة التالية
Icon