ارْجِعْنا نَعْمَلْ صالحًا، فقال: ليس هناك رُجوعٌ: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ يعني العذابَ الدَّائِمَ، وهذا من باب إضافَةِ الشَّيْء إلى مَوْعِدهِ أو على تقدير (في) للظَّرفيَّةِ؛ يعني: عذاب في الخُلْد؛ وعلى كلِّ حالٍ: هو عذاب دائِمٌ.
وقوله تعالى: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: (ما) هنا يُحْتَملُ أن تكون اسمًا موصولًا؛ أي: بالذي كنتم في الدُّنْيا تَعْمَلُونه، ويُحْتَمَل أن تكون مصدرَيَّة، ولكنْ ظاهِرُ تفسيرِ المُفَسِّر أنها اسمٌ موصولٌ، قال: [﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الكُفْرِ والتَّكذيب].
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ أهلَ النَّار يُوَبَّخونَ بتركِهِم العَمَلَ للنَّجاةِ منها؛ لقوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾.
ويتفرَّعُ على هذه الفائِدَة: زيادَةُ التَّعذيب: التَّعذيب القلبي؛ لأنَّ الإنسانَ إذا وُبِّخَ على عملٍ عَمِلَه فإنَّه يزدادُ حَسْرةً وندمًا.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إطلاقُ النِّسْيانِ على التَّرْكِ؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات الأفعال الإختياريَّة لله؛ لقوله تعالى: ﴿نَسِينَاكُمْ﴾ يعني: تَرْكناكُم، وهذا يدلُّ على أنه تعالى يترُكُ من شاء ويُقْبِل على من شاءَ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن عذابَ النَّارِ دائِمٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ وهذا هو الذي عليه أهل السُّنَّة والجماعَةِ: أنَّ عذابَ النَّارِ أَبَديٌّ سَرْمَدِيٌّ؛ كما أنَّ نعيمَ الجَنَّة أبديٌّ سرمديٌّ، لكنْ ذَكَرَ ابنُ القيم (١) رَحِمَهُ اللَّهُ: أنه يُخْتَلَفُ في أبديَّةِ النَّار على قَوْلَيْنِ، وأمَّا عذابُها فهو أبديٌّ ما دامَتِ النَّارُ موجودةً، فلا يَخْرُجُ منها أهْلُها