إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله بِرَحْمَتِهِ" (١) فما هو الجَمْعُ بين هذا الحديث وبين هذه الآية وأمثالهِا؟
قال أهلُ العِلْمِ: إنَّ الجَمْعَ بينهما اختلافٌ في معنى الباء، فالباءُ التي للسَبَبِيَّة هي الموجودة في مثل هذه الآيَةِ ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا﴾ أي بِسَبَبِ ما كانوا يعملونَ، والباء التي للعِوَضِ هي المذكورَةُ في قوله: "لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ" أي: عِوَضًا عن عمله؛ لأنَّنا لو أَرَدْنا المعاوضَةَ والمُقاصَّةَ لَظَهر العامِلُ مغبونًا مطلوبًا، ولكان العامِلُ مهما عَمِلَ من الصَّالحاتِ فهو مطلوبٌ، ونِعْمَةٌ واحدة من نِعَمِ الله عليك تَسْتَوْعِبُ جميع الأعمالِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: في هذه الآيَةِ الدَّليلُ على عِظَمِ نَعيمِ الجَنَّة، يُؤخَذُ من قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ لأنَّه لا شكَّ أنَّ الإبهامَ يدلُّ على التَّفْخِيم، كما قلنا في التَّفْسيرِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ في الجنَّة من قُرَّةِ العَيْن في المأكولِ والملبوسِ والمنْكوحِ والمسْكَنِ ما لا يَخْطُر على البالِ؛ لأن كلَّ هذه الأرْبَعَة تَقَرُّ بها العَيْنُ؛ وقيل:
وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي | أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ (٢) |
(٢) البيت لمَيْسون بنت بَحْدل، انظر: الكتاب لسيبويه (٣/ ٤٥)، وخزانة الأدب (٨/ ٥٠٣).