سورة الكوثر والإخلاص تشبثًا بظاهر قوله تعالى ﴿بسورة من مثله﴾ وقال في موضع آخر من كتبه، وارتضاه أبو إسحاق. وإنما يتعلق بسورة يعد قدرها في الكلام بحيث يتبين فيه تفاضل رتب قوى البلاغة، وهو لا يتبين إلا فيما طال بعض الطول، ولست أقطع في الكوثر وما قاربها بنفي ولا إثبات في إعجازها. وصحح بعض المتأخرين هذا القول. واختلف في الضمير في قوله: ﴿من مثله﴾ على ما يعود؟ فقيل: يعود على القرآن، وهو المعبر عنه بما في قوله: ﴿مما نزلنا﴾. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا في معنى هذه المماثلة فقيل: معناه مثله في قدمه أو غيوبه وصدقه، وهذان القولان راجعان إلى مذهب من يرى أن تحدي النبي ﷺ إنما وقع بالكلام القديم الذي هو صفة للذات وأن العرب كلفت من ذلك بما لا يطاق.
وقيل: معناه مثله في وصفه ونظمه وفصاحته. وهذا القول راجع إلى مذهب من يرى التحدي إنما وقع باللفظ. والذين ذهبوا إلى هذا اختلفوا في المعجز منه ما هو؟ لأن ألفاظه احتوت على وصف محكم ونظم وفصاحة، وفمنهم من علق الإجاز بالمعاني الثلاثة، ومنهم من علقه بالوصف، ومنهم من علق بالنظم، ومنهم من علقه بالفصاحة. ويحتمل أن تتأول الآية على كل واحد من هذه الأقوال. وتعلق الإعجاز بالمعاني الثلاثة هو الذي اختاره المتأخرون من أهل السنة. وقال بعضهم: وهو الذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه ولم يكن من قدرة العرب أن تحيط بمثل ذلك فتأتي به خلافًا لم نقال: إن العرب في قدرتها أن تأتي بمثله، فلما جاء النبي ﷺ صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه، وهو قول باطل يرده الاعتبار بما جبل عليه الناس من الذهول والجهل والنسيان، فكيف كان