والسلام في الطير: ((تغدو خماصًا وتروح بطانًا)). وقال له رجل أرسل ناقتي وأتوكل قال: ((بل اعقلها وتوكل)) فرأوا لمن يمكنه التحرك في الحلال أن يتحرف ولو أن يحتطب ونحو ذلك. وذهب بعض الناس إلى أن الرجل الجلد إذا بلغ من التوكل إلى أن يدخل دارًا أو بيتًا تجهل فيه حاله ويبقى في ذكر الله تعالى متوكلًا على الله يقول: إن كان لي رزق فسيأتي الله به، وأن كان رزقي قد تم مت، أن ذلك حسن بالغ أعلى الدرجات. ولهذا اختلف في المسألة فأجازها قوم لمن لا يجدها بغيته، وحظرها آخرون إلا لمن اضطر إليها كالميتة وحظرها آخرون جملة ومن حجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسأل الناس شيئًا)). وأن هذا هو التوكل للحظر، وقد أمر الله تعالى بالتوكل فليكن على وجهه، ومن سأل فلم يتوكل. واختلف الذين رأوا له السعي والتطلب إن اضطر إلى أكل المحرمات كالميتة وسؤال الناس وما أمكنه من ذلك أيهم أفضل صبره عن ذلك وإن مات، أو أخذه منها لإبقاء رمقه، على قولين. وهذا بعد اتفاقهم على أن كل ذلك مباح له. وتأول الآية من يرى الصبر أفضل على أن معنى التوكل فيها هو التوكل مع السعي فيما عدا المحظورات. فأما مع أكل المحظورات فليس ثم توكل. وقول من زعم أن أخذه من ذلك أفضل مبني على القول بأنه واجب على الإنسان إحياء نفسه.
(٥٣) - قوله تعالى: ﴿قل أنفقوا طوعًا أو كرهًا لن يتقبل منكم إنكم كنتم قومًا فاسقين﴾:
سبب هذه الآية أن الجد بن قيس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذن لي ولا تفتني فأذن له. قال إني أعينك بمالي. فنزلت الآية وقد اختلف في


الصفحة التالية
Icon