عقله بما كلفه به. وإذا كان كذلك لم يكن في إرسال الرسل إليه فائدة وإنما يرسل الله الرسل إلى من يعلم الله تعالى أنه لا ينهض بعقله فيبعث الله الرسل إليه بأمور سمعية يعلم الله تعالى أنها داعية إلى المستحسنات العقلية وناهية عن المستقبحات العقلية. ومنهم من يقول يجب على الله تعالى إرسال الرسل لأن ذلك أقرب إلى مظاهرة الحجة وأقوى في معنى اللطف وربما قالوا: العبد لا يعرى من مصالح دينه لا يعلمها إلا بالسمع. والمعتزلة يجيبون عن الآية المذكورة ذبًا عن أصل مذهبهم في إيجاب العقل وتحريمه وتحسينه وتقبيحه فبعضهم يقول: المراد بالآية: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا﴾ عذاب استئصال في الدنيا فيكون هذا كقوله: ﴿وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولًا﴾. وبعضهم يقول المراد بها: وما كنا معذبين حتى نبعث في أمها رسولًا. وهذا كله ظاهر البطلان وخروج عن ظاهر الآية. وقد استدل بعضهم بالآية أيضًا على فساد قول من زعم أن أطفال المشركين يعذبون في الآخرة مع آبائهم، وهو استدلال ضعيف لأن المعنى في الآية: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا فيمن يجوز بعثة الرسل إليه. وأما عذاب أطفال المشركين فإنما هو قضاء سابق عليه من غير جناية. وقد استدل أيضًا على أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فأسلم فلا تكليف عليه في ما مضى. قال أبو الحسن: وهو مضمون على قائله ما لم تبلغه الدعوة، ولأبي حنيفة في ذلك خلاف. ويؤخذ من هذه الآية وجوب الأعذار إلى المحكوم عليه فيما يثبت عليه، وهو ما أجمع عليه الفقهاء.
(٢٣)، (٢٤) - قوله تعالى: ﴿وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لها أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا * واخفض لها جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا﴾: