فأخبر عن أول أمره أن يعلمه الله تعالى بحاله وحال المؤمنين بما كان عليه في ذلك الوقت من عدم المعرفة بذلك، ثم أعلمه الله تعالى بعد ذلك فعلم. وأي نسخ في هذا، ومتى ثبت بعدم معرفته ﷺ فارتفع بوجوبها فيسمى نسخًا. والذي ينبغي أن يقال في الآية أن قوله تعالى: ﴿وما أدري ما يفعل بي ولا بكم﴾ إنما يرجع إلى عدم المعرفة بالخاتمة وأما من مات على الإيمان فلم يزل عليه الصلاة والسلام من أول رسالته عالمًا فأنه ينجو، وإلا فقد كان الكفار يحتجون عليه، ويقولون كيف تدعوننا إلى ما لا تدري له عاقبة، وكيف نركب معك هذا الخطر ولم نعلم أن أحدًا من الكفار احتج بذلك. فثبت بهذا أنه تعالى لم يزل عالمًا بأن الموافى على الإيمان في الجنة وأن من وافى على ضد ذلك في النار. وبهذا المعنى تكون الآية باقية المعنى إلى يوم القيامة. وذهب الحسن بن أبي الحسن وغيره إلى أن معنى الآية: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من أن أنصر عليكم أو تنصروا علي. وذكر بعضهم عن الحسن أن معناها: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من غلاء أو رخص أو مرض أو غير ذلك من الأحداث. وقال قوم المعنى: ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وما يلزم الشريعة من أغراضها. وقال بعضهم: نزلت الآية في أمر كان النبي ﷺ ينتظره من الله تعالى في غير الثواب والعقاب. وروي عن ابن عباس أنه لما تأخر خروج رسول الله ﷺ من مكة حين رأى في النوم أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وسبخة قلق المسلمون لتأخره فنزلت الآية. فالآية في هذه الأقوال كلها إنما هي في أمور الدنيا. ولا خلاف على أن ذلك بأن الآية محكمة مختلف في عدم الدراية إلى ما ترجع. والأصح من ذلك ما أشرنا إليه فيما تقدم.
(١٥) - قوله تعالى: ﴿حملته أمه كرها ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا﴾:
احتج بعض الشيوخ بقوله تعالى: ﴿حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا﴾


الصفحة التالية
Icon