الصحيح بالسقيم ودخل في الشرع فساد عظيم. وكذلك أيضًا التجريح، الأكثر على جوازه وأن الحاكم يمكن المشهود عليه من تجريح الشهود. وروى أشهب وابن نافع عن مالك في القوم يشهدون ويعدلون هل يقول القاضي للمشهود عليه دونك فجرح؟ فقال إن فيها توهينا للشهادة ولا أرى إذا كان عدلًا أو عدل عنده أن يفعل ذلك. قال بعض المتأخرين وهذه قوله لم يصحبها عمل. والمشهور الجواز للضرورة إلى ذلك وأن لا يمنع لكونه غيبة وقد قال ﷺ فيمن استشير في نكاحه: ((إنه صعلوك لا مال له)) وقال في الآخر: ((إنه لا يضع عصاه من عاتقه)) ولم يرد بذلك غيبة لما كان مستشارًا في النكاح ودعت الضرورة إليه. وقد احتج مسلم لما صنع أهل الحديث في ذكر الناس بأحوالهم بقوله عليه الصلاة والسلام: ((أنزلوا الناس منازلهم)). وحاصل هذا كله أن الآية مخصصة. ثم مثل تعالى الغيبة بأكل لحم ابن آدم ميتًا لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه، كما أن الحي لا يعلم بغيبته. وعندي أن في هذه الآية دليلًا على أنه لا يجوز أكل لحم ابن آدم ميتًا لمن اضطر إليه، وهو مذهب أصحاب مالك، خلافًا للشافعي ومن أباحه للمضطر، لأنه تعالى ضرب به المثل في تحريم الغيبة ولم يضرب بالميتة سائر الحيوان فدل ذلك على أنه في التحريم فوقها.
وقوله تعالى: ﴿فكرهتموه﴾:
قيل معناه معنى الأمر أي فاكرهوه، ودل على ذلك قوله تعالى بعد ذلك: ﴿واتقوا الله﴾ وقيل كأنهم إذا قيل لهم: ﴿أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا﴾ قالوا فخوطبوا على ذلك، فقيل لهم: ﴿فكرهتموه﴾. ويعد هذا الكلام مقدر تقديره فكذلك فأكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك. وعلى هذا العطف قوله تعالى: ﴿واتقوا الله﴾.


الصفحة التالية
Icon