قوله تعالى: ﴿وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا﴾:
أخبر تعالى أن لفظ الظهار الذي كانوا يطلقونه منكرًا وزورًا. والمنكر من القول هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور الكذب. وسماه كذبًا لأنهم صيروا نساءهم كأمهاتهم وهن لا يصرن كذلك أبدًا. والظهار حرام لا يحل إيقاعه أبدًا ودل على تحريمه ثلاثة أشياء:
أحدها: تكذيب الله تعالى لمن فعل ذلك. والثاني: أنه سماه منكرًا وزورًا -والزور الكذب- وهو محرم بإجماع. والثالث: إخباره تعالى أنه معفو عنه ويغفر، ولا يعفي ويغفر إلا على المذنبين لأنه وقع لزم لكن على غير الحكم الذي كان في الجاهلية وفي أول الإسلام على تأبيد التحريم لأنه تعالى أخرجه من ذلك الحكم إلى باب الكفارة، ثم أعلمنا كيف يكون الحكم فيه إذا وقع فقال: ﴿والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا﴾ الآية. ولا خلاف أن من ظاهر امرأته بأمه لزمه الظهار لأنه خص الآية.
واختلف في سائر ذوات المحارم من النسب، فروي عن الشافعي أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها، وروي عنه أنه لا يكون إلا بالأمهات والجدات. وروي عنه أنه يكون بجميع ذوات المحارم من النسب، وهو قول مالك وسائر أصحابه. فمن اقتصر على الأم وحدها راعى لفظ الآية ولم يقس. ومن زاد على ذلك قاس على ما جاء في الآية، وهو أظهر. واختلف أيضًا في الظهار بالأجنبية، فذهب ابن الماجشون إلى أنه لا يكون مظاهرًا سمى الظهر أو لم يسمه، أراد به الظهار أو لم يرده وتكون امرأته طالقًا إلا أن تكون له نية. وقال أشهب في رواية أبي زيد عنه إنه يكون مظاهرًا سمى أو لم يسم. وقال ابن القاسم: إنه إن سمى الظهر فهو مظاهر إلا أن يريد


الصفحة التالية
Icon