(٣٣) -قوله تعالى: ﴿والذين هم بشهاداتهم قائمون﴾:
اختلف في معناه. فقيل هي شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل الشهادة عند الحكام. واختلف الذاهبون إلى ذلك في معناه. فقيل يحفظون ما يشهدون فيه وينعتونه، وعلى هذا يأتي قوله عليه الصلاة والسلام: ((على مثل الشمس فاشهدوا)). وقيل معناه: الذين إذا كانت عنده شهادة ورأوا حقًا يداس أو حرمة لله تعالى تنتهك قاموا بشهادتهم. وقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال: ((خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)) وتأوله الناس على القولين المتقدمين في الآية. وجاء عن النبي ﷺ ما يعارض ذلك قوله: ((سيأتي على الناس زمان يخافون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيهم السمن)) فتأوله الناس على وجهين: أحدهما: أنهم قوم يتعرضون للشهادة ويحرصون على وضع أسمائهم في الوثائق وينصبون لذلك الحبائل من زي وهيأة وهم غير أهل للشهادة. فهذا في ابتداء الشهادة. وقال آخرون: وهم شهود الزور لأنهم لا يؤدونها والمشهود عليه لم يشهدهم. ففي الآية على ما قدمته من أحد التأويلين دليل على أن الذي ينبغي الإخبار بالشهادة قبل أن تسأل، فظاهر ذلك العموم في كل شهادة. وقد قرئ: بشهادتهم، وهو يعضد ذلك. إلا أنه قد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه ما كان من حقوق الله تعالى لا يستدام فيه التحريم كالزنا وشرب الخمر، فهذا الذي ينبغي للشاهد أن لا يخبر بها قبل أن يسأل. واستدلوا على ذلك بقول النبي ﷺ لهزال: ((يا هزال هلا سترته بردائه)) فيتخصص بدليل هذا الحديث عموم الآية وتبقى الآية عامة في غير ذلك من حقوق الله تعالى التي