السفر وإذا قلنا إنه نسخ فوجهه أنه تعالى قد حرم بقوله: ﴿إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين﴾ الآية الفرار من العشرة أضعاف ثم قال تعالى: ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا﴾ فأحل الفرار من ذلك القدر. هذا وإن لم تعطه الآية بنصها فإن مقتضاها يعطي ذلك ومقتضى هذه الآية الثانية أنه تعالى لم يبح الفرار من الضعف. ولا خلاف أن هذا الحكم كان ثابتًا يوم بدر وإنما اختلفوا في تحريم الفرار بعد يوم بدر. فقيل كان ذلك خاصًا بيوم بدر كان فيه الفرار من الكبائر فأما ما عدا ذلك اليوم فالفرار منه غير محرم وليس من الكبائر. وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله تعالى عنهم وقال فيهم يوم حنين: ﴿ثم وليتم مدبرين﴾ [التوبة: ٢٥] ولم يقع على ذلك تعنيف. وعلى هذا القول تكون الإشارة بقوله تعالى: ((يومئذ)) إلى ((يوم بدر)) وهو قول الحسن وقتادة والضحاك وذهب الجمهور إلى أن ذلك المعنى من الآية محكم باق إلى يوم القيامة وأن الفرار من الزحف من الكبائر، وجاء عنه ﷺ ما يؤيد هذا فقال: ((اتقوا السبع الموبقات)) وعد فيها الفرار من الزحف. وإلى هذا يذهب مالك وجميع أصحابه وقد قال ابن القاسم لا تجوز شهادة من فر يوم الزحف. وتكون الإشارة بقوله ((يومئذ)) إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله تعالى ﴿إذا لقيتم﴾ وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في الفرار من الزحف هل هو كبيرة أم لا إنما هو في الفرار من الضعف. فأما الفرار مما زاد عن الضعف فغير كبيرة باتفاق وقد