وهو قول الجمهور وبه قال مالك وجميع أصحابه وهو أظهر الأقوال. وذهب قوم -على ما ذكر بعض المتأخرين- إلى عكس هذا القول فزعم أن الغنيمة ما أخذ من الكفار بغير قتال، والفيء ما أخذ منهم بالقتال، قال وهو محتمل في اللسان. وذهب قوم إلى أن آية الحشر وردت في شيء مخصوص بعينه فلا تعارض بينها وبين آية الأنفال وذلك في أموال بني النضير التي أجلوا عنها فجعلها الله تعالى للنبي ﷺ يفعل فيها ما يراه.
وروي عن ابن عباس أن النبي ﷺ أحبس جميعها لنفسه ومصالح المسلمين ولم يقسمها، فتكلم في ذلك قوم فأنزل الله تعالى الآية. وقال ابن زيد لما خص رسول الله ﷺ بأموال بني النضير المهاجرين تكلم في ذلك بعض الأنصار فنزلت الآية. وذهب قوم إلى أن في آية الحشر حكمين فقوله تعالى: ﴿وما أفاء الله على رسوله منهم ما أوجفتم﴾ [الحشر: ٦] الآية نزلت في مال بني النضير الذي هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: ﴿ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى﴾ الآية [الحشر: ٧] هو في حكم الجزية والخراج بهما للأصناف المذكورين في الآية وروي ذلك عن معمر. وقد اختلف في هذه الآية هل هي ناسخة لقوله تعالى: ﴿قل الأنفال لله والرسول﴾ [الأنفال: ١] أم لا. وقد مر الكلام على ذلك. والقول بانها ناسخة هو قول مجاهد وابن عباس وذلك أن قوله تعالى: ﴿قل الأنفال لله والرسول﴾ عنهما اقتضى أنه جعل به للنبي ﷺ أن ينفل ما أحرزه بالقتال لم يشاء ولم يكن فيه