الخالقين" ويحتمل أن ذكر الوجه في الموضعين عبارة عن الظاهر وهي الجملة وعن الباطن وهو القصد والنية فإنه يجب إسلام الكل لله وأن لا تكون نية إلا فيه ولا عمل إلا له وذلك قوله تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ هذا في الظاهر بالعمل وفي الباطن بالقصد إليه فهو مقابلة اعتقاد باعتقاد دون معارضة مذهب بمذهب. فأما الدليل فلابد منه لأنه إنما بعث ليدعو إلى الله ويوحد ويدل عليه ببراهينه وآياته ولم يكن هنالك وقت لا يستدل فيه على الكفار ثم نسخ بعد ذلك بالمحاجة والمجادلة وذكر الأدلة وإنما هي آيات مجتمعة المعاني منتظمة المباني وليس يمتنع أن يكون النبي ﷺ قيل له: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ فإن استمروا على محاجتك ومعارضتك بعد سرد دليلك وذكر براهينك ﴿فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد﴾ ولا يكون على هذا بين الآيات تعارض ويكون ذلك منسوخا بالقتال وهذا يكون إحكام لقول.
أما إن المحاجة لا تنقطع إلى يوم القيامة في موضعين: أحدهما عند ضعف الملل وظهور البدعة، الثاني عند وجوب الدعوة واستحبابها، فإنه يبين لهم الحق ويسرد لهم الدليل ويخلق الله لمن شاء القبول.
مزيد بيان: مما يحقق النسخ فيه أن قوله تعالى: ﴿فإنما عليك البلاغ﴾ كلمة حصر وإثبات ونفي وتقديره ليس عليك إلا البلاغ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه. وكأن الله في صدر الإسلام لم يلزم رسوله إلا البلاغ للخلق