امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهي عنه، وجعل الامتثال في الأوامر وقاية دون العقاب على الترك، والاجتناب في النواهي وقاية دون العقاب على الفعل، وذلك هو تقوى الله حق تقاته، وتقواه بما استطاع لأنه تعالى أخبر أنه لا يكلف أحدًا ما لا طاقة له به كما بيناه، فإذا امتثل ما أمر به في كل شيء إلا في واحد واجتنب كل ما نهى عنه إلا واحدًا لم يتقه حق تقاته، وإلى هذا المعنى مرجع الآيتين وعليه يتركب قوله: ﴿أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر﴾ يعني عند الأمر والنهي، فلا ينسى وأن يشكر باستعمال النعم في الطاعة ولا تكفر النعمة بتصريفها في المعاصي. ومن قال من الناس: إنها منسوخة إنما حمل الأمر فيها على أنها نزلت في معرض قوله تعالى: ﴿وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله﴾ ثم رفع بقوله: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾ وقد بينا أنها ليست منها، وما ذكرنا عن ابن عباس في تفسير حق التقاة ممكن فلا وجه لرفعه والآية تناولت ذلك كله. وأما من قال: إن تقاة الله واجبة فلا يجوز نسخها فقول جاهل: لا إشكال في أن تقاة الله عما نهي عنه، ويجوز أن يأمر بما نهى عنه بعد النهي وينهى عما أمر به بعد الأمر به، ويكون ذلك نسخا للمتقى فينسخ بذلك التقوى.
غواية: قال بعضهم: هذه الآية ليست بمنسوخة للدلائل الدالة على ذلك، إذ غير جائز في حكمة الله وعدله ورأفته وفضله أن يتعبد خلقه بما لا تبلغه قدرتهم لأن هذا جور لا عدل، تعالى الله عن ذلك، بل قد أخبر أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالآيتان متفقتان وكيف يأمرنا أن نطيعه ولا نعصيه والنبي المعبر عن الله يقول: استقيموا ولن تحصوا، أي لن تحيطوا بالاستقامة إلى جميع الطاعات فإذا كان هو لا يطيق أن يتقي الله حتى لا يعصيه فمن ذا الذي كان يقدر على ذلك؟


الصفحة التالية
Icon