قوله تعالى: ﴿ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى﴾ وفيها ثلاثة أقوال: الأول أنها ملحقة بآية بني النضير، والثاني أنها ملحقة بآية الأنفال، الثالث أنها منفردة بنفسها. والذي يقول إنها ملحقة بالأولى يسمى السورة سورة بني النضير، وقد ترددت فيها مرارا وتفاوضت فيها مع النظار والافتكار سرا وجهارا، والإشكال يجذبها حينا والبيان يجلوها حينا.
وقد اختلف فيها قول إمام العلماء مالك بن أنس، فروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك: أن الأولى من سورة الحشر في بني النضير، والثانية في بني قريظة وكانت قريظة والخندق في يوم واحد، وهي آية ثانية، ومعنى ثان غير الأول لمستحق غير الأول، معقبة بالناس إلى يوم القيامة، يشترك فيها من حضر ومن غاب، مملوكة لمن وجد وعدم، ولأجل هذا قال كثير من العلماء: (إن الأرض لا تقسم) وقال مالك تارة: تقسم. وهي محل الاجتهاد والله بمنه يوافق فيها للسداد.
الآية الرابعة: قوله تعالى: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ قيل نسختها آيات القتال، وروى عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: ينسخها قوله تعالى: ﴿فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم﴾.
قال ابن العربي: قد بينا في غير موضع أن من شروط النسخ التعارض وهو الأول من شروط، والأولى، وليس بين هاتين الآيتين تعارض لأن تقدير الكلام فيها يجيء على صورة صحيحة لا تعارض معها، وهو بأن يقال: قاتلوهم (ولا تهنوا بدعائهم) إلى الصلح فإن طلبوا هم ذلك فأجبهم. وبعد ذلك اختلف العلماء