الشريعة على تعظيم الشهر الحرم عند الناس وتحريم القتل والقتال فيها، فأقرت الشريعة حرمتها وعظمت القتل والقتال فيها. ثم نسخت في القتل التحريم وأبقت فيه الحرمة والتعظيم. فأما إبقاء الحرمة والتعظيم، ففي الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال في حجة الوداع: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" فنص على إبقاء الحرمة والتعظيم، ثم انزل الله تعالى سورة براءة سنة تسع بعد نزول آية البقرة هذه بثمانية أعوام وهي قوله سبحانه: ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾. إلى قوله ﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ فرجع ذكر الأشهر إلى ما تقدم من ذكرها لينتظم معنى الآية ويكون آخرها مرتبطا بأولها ويكون الكلام مقيدا بها وفيها. وقد روى المفسرون عن عطاء أنه قال: إن هذه الآية محكمة، وأن القتال في الأشهر الحرم لا يجوز، وهذا القول من عطاء مسبوق بالإجماع من الصحابة والأخبار الواردة عن النبي ﷺ بقتاله في الأشهر الحرم وإرساله سراياه فيها، وعليه يدل قوله تعالى: ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة﴾. فنهى عن ظلم النفس فيها وأمر بقتال المشركين كافة. فإن قيل إنما يعتقد عطاء ومن قال بقوله أن قوله تعالى: ﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم﴾ يعني به ذا القعدة وذا الحجة والمحرم ورجب. قلنا لو كلن هذا لكان قوله: (مضمنا بمعنى) هو سيحوا في الأرض ثمانية أشهر: أربعة تسيير النبي للكفار وأربعة بحكم التحريم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم