وفيها أية أخرى وهي قوله تعالى: ﴿وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم﴾ على شركهم. قالوا نسختها ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾.
قال القاضي محمد بن العربي:
الذي أوجب هذا الكلام على قائله الحديث الصحيح أنه لما نزلت ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ شق ذلك على أصحاب محمد عليه السلام، فنزلت ﴿يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم﴾ وإن كان الشرك ظلما فإنه غاية الظلم، وهو درجات، وأصله وضع الشيء في غير موضعه، فكل من كفر هو ظالم وكل من أذنب فهو ظالم، وكل درجات. وقوله تعالى: ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن﴾ من كونهم أصحاب النار وليس لهم الأمن من أصل العقاب وقوله تعالى: ﴿إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم﴾ قال بعضهم أراد بالناس أهل مكة وأوقعه في هذا أنه فسر الظلم بالشرك. وفسر الناس بأهل مكة لأنهم كفار ولو أتبع كلامه أصله لقال: يريد بالناس الكفار. ويحتمل أن يريد ما قال، ويحتمل أن يريد بالناس المذنبين ويحتمل أن يريد بالمغفرة ها هنا الإمهال بالعقوبة، ويحتمل أن يريد به ما مضى بإصلاح العمل فيما يأتي. وإذا احتمل هذا كله لم يكن للتخصيص معنى، وما احتملته الآية من ذلك كله، فإن السنة خصته بأحاديث الشفاعة وغير ذلك من أخبار المغفرة وقد حققنا ذلك في كتاب المشكلين.


الصفحة التالية
Icon