وأما الهدايا فهي أقسام: منها ما يوكل باتفاق ومنها ما لا يوكل باتفاق، ومنها مختلف فيه. وقد بينا ذلك في الأحكام والمسائل وليس هذا من باب النسخ في الآية بحال، والله أعلم.
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده﴾ نسختها قوله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾.
قال القاضي محمد بن العربي:
قد تكلمنا عن قوله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ بما يغني عن إعادته، فأما قوله تعالى: ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده﴾ فحق جهاده أن يفعل ما أمره به ويتجنب ما نهى عنه، فهذا هو حق الجهاد، وهذا مما لا يصح أن ينسخ وذلك معنى يتحقق، فإن العبد كسلان والنفس خوانة والقلب رواغ، فيجب على العبد أن ينشط لما كلف ويتحرز من خائنة الغرور ونفوذ الرواغ إلى الحق قودا لا يوجد سبيلا إلى العدول عن الظاهر، وهي غاية التوفيق ومنه من الله تعالى على عبده.
وتحتمل هذه الآية أن تكون مكية ويكون حق الجهاد في مجاهدة الأعداء بالجدال، ويحتمل أن تكون مدنية فتكون مجاهدة الكفار بالقتال. ومجاهدة الأعداء بالجدال لم يزال ولا يزال، وأعدى عدو لك نفسك وزوجك وولدك. والمرء مفتقر إلى مجاهدة الجميع وسياستهم على الطاعة وليهم على الاسترسال على الشهوات والإنهماك في اللذات والخلود إلى الراحات: وفي الأثر: ليس عدوك الذي إن قتلك أدخلك الجنة، إنما أعدى الأعداء إليك نفسك، ويقال: الجهاد الأصغر جهاد الكفار، والجهاد الأكبر جهاد الأنفس، وهو عندهم قوله تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon