قال القاضي محمد بن العربي:
هذه الآية من مفضلات القرآن. فإنه بلفظ الخبر، وإذا أخبر الله عن أمر فلا يقع إلا كما أخبر، فلما رأى الناس الزاني يتزوج العفيفة والزانية تتزوج العفيف أعظموا أن يتعارض الوجود والخبر، فقالوا إن معناها الأمر، إذ يوجد مأمور الله بخلاف أمره ولا يصح أن يوجد خبره بخلاف مخبره وقوله تعالى: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين﴾ عام في إنكاح كل أيم كانت زانية أو لم تكن فرفع ذلك الأمر ذلك النهى. ومن عجب القضاء وكله عجب، أنه لا يعلم أي آية نزلت قبل الأخرى، ولا يصح نسخ إلا بعد هذا، وأعجب منه: وأغرب أن قوله: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ عام وقوله تعالى: ﴿الزاني لا ينكح إلا زانية﴾ خاص فكيف يصح في معقول أحد أو ينتظم على لسان محصل أن العام يرفع الخاص ويدفعه وينفيه ويزيله لولا الحرمان. وهذا الإشكال هو الذي أوقع ابن مسعود رضي الله عنه في أن يرى أنه إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها فهما زانيان ما عاشا، وأوقع الحسن في أن يقول إن الزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة وقد شرحنا في الأحكام معناها، وتحريره أن النكاح ها هنا لا يخلو أن يراد به العقد أو يراد به الوطء، كما روي عن ابن عباس الحبر البحر فإن معناه لا يكون زنا إلا بزانية ويعد أنه زنى من الجهتين. فإن قيل فإن زنى عاقل بمجنونة أيكون زنى من الجهتين؟ قلنا: نعم لكن يسقط الحد من الجهة الواحدة والأثم. فإن قيل: فبأي وجه يكون زنى وقد زالت فائدته؟ قلنا بالاسم، ويبقى الحكم على بابه، وإن أريد به العقد كان معناه أن يتزوج الزاني زاني ويتزوج الزاني زان. وتزويج الزانية إما أن يكون قبل استبراء رحمها فيكون زنى لا حد فيه لاختلاف العلماء، أو يكون بعد الإستبراء فذلك جائز ولا يكون زنى، فيحمل الآية على أن النكاح بمعنى الوطء أو بأحد معنى العقد والله أعلم.