بالمسألة مما عدوه من أصول الفقه: أن الاستثناء بقوله تعالى: ﴿إلا الذين تابوا﴾ هل يرجع إلى الجمل المتقدمة أو إلى أقرب مذكور؟ وقد بيناه في أصول الفقه، والذي نذكر الآن منه أن المتكلم بالاستثناء بعد الجمل يحتمل أن يرده إلى الجميع ويحتمل أن يرده إلى الجملة التي تليه، ويقف ذلك على الدليل، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو رأس اللغات والأحكام يقول لأبي بكرة بعدما جلده على شهادته على المغيرة بن شعبة بالزنا: تب أقبل شهادتك، فيقول له أبو بكرة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن المغيرة بن شعبة زنى بجارية بني فلان وبذلك أقول: وقال أصحاب الرد للشهادة: كيف يرجع الاستثناء إلى الكل وذلك ختلف لفظا وإعرابا ومعنى: أما اختلافه لفظا فلأن بعضه اسم وبعضه فعل، وأما اختلافه معنى فلأن بعضه نهي وبعضه خبر، وأما تباينه إعرابا فلأن قوله: ﴿إلا الذين تابوا﴾ إن رجع إلى الضمير في قوله: ﴿لهم شهادة﴾ كان موضعه خفضا، وإن رجع إلى قوله: ﴿الفاسقون﴾ كان موضعه نصبا، والخفض والنصب ضدان لا يجتمعان وأما اختلافهما حكما فإن الجلد لا يدخله الاستثناء شرعا، والفسق دخله الاستثناء.
قلنا: قد بينا في رسالة الملجئة تحقيق ذلك، ومهما كان في ذلك اختلاف أو كانت له أمثلة فإنه إذا عطف فعل على اسم فإنه جائز لغة مسموع شرعًا، وإذا عطفت الجمل على الجمل فلا تبال باختلاف المعاني فيها، وإنما يراعي ما قلتم في المفردات على صفات، وجمع جملة النهي إلى جملة الخبر ها هنا من أفصح وجود الكلام، ويعضد هذا أن قوله تعالى: ﴿وأولئك هم الفاسقون﴾ تعليل لرد الشهادة، لأن الفسق علة توجب الرد للشهادة، وزوال العلة يوجب توالي الحكم، وإذا انعطف الإستثناء على العلة انعطف على المعلول. وأما اختلاف الإعراب فقد بيناه في الملجئة، والمعتمد عليه ها هنا أن قوله تعالى: ﴿والذين يرمون المحصنات﴾