قال القاضي محمد بن العربي:
هذه الآية مشكلة ليس للنسخ فيها طريق وإنما هي محكمة لبيان معان من الشريعة بديعة، وبسط ذلك في الأحكام فلينظر فيه. ومختصره أن الأقوال المتقدمة فيها بعض ما قيل فيها، ومنها ما ينتظم ومنها ما لا ينتظم، ولو سكت من لا يعلم لقل التلكم وظهر الحق معجلا، وتحقيق القول أن الله نفي عن الأعمى والأعرج والمريض الحرج، وذلك لا يختص بحكم دون غيره مما تعطيه أحوالهم فكل تكليف يتعلق بالبصر فقد سقط عن الأعمى، وكل تكليف يتعلق بالأعرج قبل عرجه، ولا يمكنه فعله معه فقد سقط عنه فعله، وكل فعل يتعلق بالمريض أي مرض كان ولا يمكن معه فقد سقط عنه تكليفه. وقوله تعالى: ﴿ولا على أنفسكم﴾ يريد به جميع الناس، واجتمع مخاطب بالقول وغير مخاطب فغلب المخاطب ليطرد القول وينظم المعنى جميع من ذكر من أعمي وأعرج ومريض وأصحاب السن ومنه وقوله تعالى: ﴿من بيوتكم﴾ يعني ما كان للرجل وعياله ومن يختصه من أولاده، وقوله تعالى: ﴿من بيوت آبائكم﴾ إلى آخره، يعني إذا كان الطعام مبذولا فإن كان محتزنا لم يجز لأحد منهم التعرض له. وفي تلك البلاد عادة من الاسترسال بين من ذكر ليس في بلادنا هذه، ورأيت ذلك بالشام خصوصا، كثيرا وقوله تعالى: ﴿أو ما ملكتم مفاتحه﴾ يريد ما كنتم خزنة عليه، فلا بأس عند محاولة الأخذ منه والإعطاء من الأكل، وقوله تعالى: ﴿أو صديقكم﴾ فالأصدقاء أكثر من الآباء، وذلك في المبذول اليسير، وأهل بلادنا هذه لا يفهمون هذه الآية لأنه ليس فيهم صديق ولا صديق، وقوله تعالى: ﴿جميعا أو أشتاتا﴾ نفي الحرج فيه عما يخطر ببال الآكل من الجماعة من زيادة واحد عن آخر فذلك جائز ما لم يقصد الزيادة، وقد قال ابن عمر رضي الله عنه في قوم يأكلون تمرا: نهى النبي عن الإفراز إلا أن يستأذن الرجل أخاه وتكملته حيث قلناه، فلينظر فيه والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon