أخذ في الذبح جعل الله خلق الذبيح نحاسا حتى لم تجر فيه الشفرة. وعظم التخليط وكثر الخطب وتشعبت والأجوبة وسودت الأوراق. وقد بينا في مسائل الخلاف والأحكام والمشكلين، وغيرها أن الله سبحانه ما أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده نصا، ولا كلفه ذلك قطعا، وإنما أراه في المنام أنه يذبحه، وعلم إبراهيم أن رؤيا الأنبياء وحي، وأن هذا ليس بتلعب الشيطان فإنه لا سبيل له إليه في يقظة ولا في منام، وتحقق أنه ليس بحديث نفس فإن أحدا لا يحدث نفسه بذبح ولده، فلم يبق إلا أنه وحي من الله سبحانه وتحقق إبراهيم أن للرؤيا اسما وكنى وأنها تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل قال النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها: رأيتك في سرقة من حرير، فقال لي الملك: هذه زوجتك فقلت: إن يك هذا من عند الله يمضه، وقد علم أنه من عند الله، لأنه قال: قال لي الملك.
ولا يقول الملك إلا من عند الله، لأنه رسول الله، وهذه حقيقة اسمه وصفة فعله، ولكن النبي صلى الله عله وسلم أراد ان يكن هذا القول اسما صريحا لا كنية كنى بها عن سميتها أو جارتها أو قرينتها أو شبيهتها فسيظهر بذاته وعينه فكذلك فعل إبراهيم عليه السلام لما رأى أنه يذبح ولده بادر إلى الأخذ بالظاهر، وشرع في امتثال هذا الأمر مع سائر الأوامر، فلما جاء بطاعته وبادر إلى الشروع بامتثاله، قيل له: صدقت الرؤيا بالمقدمات من إعداد الآلآلت وتوطين النفس على التقرب بامتثال الأمر في المأمور، وهذا هو المأمور وهو كنية عن الولد فامتثل ذلك فيه بفعل وتقرب به وأبقاه في عقبه، وهم المسلمون كلهم من ذريته وغيرهم تبع لهم في مثله. ولذلك امتثل هذا الذبح بنو إسماعيل الذبيح من لدنه إلى زمان محمد عليه